زيد : «الوسنان : الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل ، حتى إنه ربما جرّد السيف على أهله» وهذا القول ليس بشيء لأنه لا يفهم من لغة العرب ذلك. وقال المفضّل : «السّنة : ثقل في الرأس ، والنعاس في العينين ، والنوم في القلب».
وكررت «لا» في قوله : (وَلا نَوْمٌ) تأكيدا ، وفائدتها انتفاء كلّ واحد منهما ، ولو لم تذكر لا حتمل نفيهما بقيد الاجتماع ، ولا يلزم منه نفي كل واحد منهما على حدته ، ولذلك تقول : «ما قام زيد وعمرو بل أحدهما» ، ولو قلت : «ما قام زيد ولا عمرو بل أحدهما» لم يصحّ ، والمعنى : لا يغفل عن شيء دقيق ولا جليل ، فعبّر بذلك عن الغفلة ، لأنها سببها ، فأطلق اسم السبب على مسبّبه.
قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) هي كالتي قبلها إلّا في كونها تأكيدا و «ما» للشمول ، واللام في «له» للملك ، وكرّر «ما» تأكيدا ، وذكر هنا المظروف دون الظرف لأنّ المقصود نفي الإلهية عن غير الله تعالى ، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا هو ، لأنّ ما عبد من دونه في السماء كالشمس والقمر والنجوم أو في الأرض كالأصنام وبعض بني آدم ، فكلّهم ملكه تعالى تحت قهره ، واستغنى عن ذكر أنّ السموات والأرض ملك له بذكره قبل ذلك أنه خالق السموات والأرض.
قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) كقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ)(١) و «من» وإن كان لفظها استفهاما فمعناه النفي ، ولذلك دخلت «إلا» في قوله «إلّا بإذنه».
و (عِنْدَهُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق ب «يشفع».
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف لكونه حالا من الضمير في «يشفع» أي يشفع مستقرا عنده ، وقوي هذا الوجه بأنه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد. وضعّف بعضهم الحاليّة بأنّ المعنى : يشفع إليه.
و (إِلَّا بِإِذْنِهِ) متعلق بمحذوف ، لأنه حال من فاعل «يشفع» فهو استثناء مفرّغ ، والباء للمصاحبة ، والمعنى : لا أحد يشفع عنده إلّا مأذونا له منه ، ويجوز أن يكون مفعولا به أي : بإذنه يشفعون كما تقول : «ضرب بسيفه» أي هو آلة للضرب ، والباء للتعدية.
و (يَعْلَمُ) هذه الجملة يجوز أن تكون خبرا لأحد المبتدأين المتقدمين أو استئنافا أو حالا. والضمير في (أَيْدِيهِمْ) و (خَلْفَهُمْ) يعود على «ما» في قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إلا أنه غلّب من يعقل على غيره. وقيل : يعود على العقلاء ممّن تضمّنه لفظ «ما» دون غيرهم. وقيل : يعود على ما دلّ عليه «من ذا» من الملائكة والأنبياء. وقيل : من الملائكة خاصة.
قوله : (بِشَيْءٍ) متعلّق ب «يحيطون». والعلم هنا بمعنى المعلوم لأنّ علمة تعالى الذي هو صفة قائمة بذاته المقدّسة لا يتبعّض ، ومن وقوع العلم موقع المعلوم قولهم : «اللهم اغفر لنا علمك فينا» وحديث موسى والخضر عليهماالسلام «ما نقص علمي وعلمك من علمه إلّا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر» (٢) ولكون العلم بمعنى المعلوم صحّ دخول التبعيض ، والاستثناء عليه. و «من علمه» يجوز أن يتعلّق بيحيطون ، وأن يتعلّق بمحذوف لأنه
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (١ / ٢٦٣) ، كتاب العلم (١٢٢).