ومن قرأ «دفاع» وقرأ في الحج (يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)(١) وهو نافع ، أو قرأ «دفع» وقرأ «يدفع» ـ وهما أبو عمرو وابن كثير ـ فقد وافق أصله ، فجاء بالمصدر على وفق الفعل. وأمّا من قرأ هنا «دفع» وفي الحج «يدافع» وهم الباقون فقد جمع بين اللغتين ، فاستعمل الفعل من الرباعي والمصدر من الثلاثي. والمصدر هنا مضاف لفاعله وهو الله تعالى ، و «الناس» مفعول أول ، و «بعضهم» بدل من «الناس» بدل بعض من كلّ.
و «ببعض» متعلّق بالمصدر ، والباء للتعدية ، فمجرورها المفعول الثاني في المعنى ، والباء إنما تكون للتعدية في اللازم نحو : «ذهب به» فأمّا المتعدّي لواحد فإنما يتعدّى بالهمزة تقول : «طعم زيد اللحم وأطعمته اللحم» ولا تقول : «طعمته باللحم» فتعدّيه إلى الثاني بالباء إلّا فيما شذّ قياسا وهو «دفع» و «صكّ» ، نحو : صككت الحجر بالحجر أي : جعلت أحدهما يصكّ الآخر ، ولذلك قالوا : صككت الحجرين أحدهما بالآخر.
قوله : (وَلكِنَّ اللهَ) وجه الاستدراك أنه لمّا قسّم الناس إلى مدفوع ومدفوع به ، وأنه بهذا الدفع امتنع فساد الأرض فقد يهجس في نفس من غلب عمّا يريد من الفساد أنّ الله غير متفضّل عليه حيث لم يبلغه مقاصده وطلبه ، فاستدرك عليه أنّه وإن لم يبلغ مقاصده أنّ الله متفضل عليه ومحسن إليه لأنه مندرج تحت العالمين ، وما من أحد ألا ولله عليه فضل وله فضل الاختراع والإيجاد.
و «على» يتعلّق ب «فضل» ، لأنّ فعله يتعدّى بها ، وربما حذفت مع الفعل. قال ـ فجمع بين الحذف والإثبات ـ :
١٠٣٣ ـ وجدنا نهشلا فضلت فقيما |
|
كفضل ابن المخاض على الفصيل (٢) |
أمّا إذا ضعّف فإنه لا تحذف «على» أصلا كقوله : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٣) ، ويجوز أن تتعلّق «على» بمحذوف لوقوعها صفة لفضل.
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ) : مبتدأ وخبر ، و «نتلوها» فيه قولان :
أحدهما : أن تكون حالا ، والعامل فيها معنى الإشارة.
والثاني : أن تكون مستأنفة فلا محلّ لها. ويجوز غير ذلك ، وأخذه ممّا مضى سهل وأشير إليها إشارة البعيد لما تقدّم في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ)(٤). قوله : (بِالْحَقِ) يجوز فيه أن يكون حالا من مفعول «نتلوها» أي : ملتبسة بالحق ، أو من فاعله ؛ أي : نتلوها ومعنا الحقّ ، أو من مجرور «عليك» أي : ملتبسا بالحق.
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)(٢٥٣)
__________________
(١) سورة الحج ، آية (٣٨).
(٢) تقدم.
(٣) سورة البقرة ، آية (٢٥٣).
(٤) سورة البقرة ، آية (٢).