قوله تعالى : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ) : يجوز أن يكون حالا من المشار إليه ، والعامل معنى الإشارة كما تقدّم ، ويجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون خبر «تلك» على أن يكون «الرسل» نعتا ل «تلك» أو عطف بيان أو بدلا.
قوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) هذه الجملة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون لا محلّ لها من الإعراب لاستئنافها.
والثاني : أنها بدل من جملة قوله «فضّلنا». والجمهور على رفع الجلالة على أنه فاعل ، والمفعول محذوف وهو عائد الموصول أي : من كلّمه الله. وقرئ بالنصب (١) على أنّ الفاعل ضمير مستتر وهو عائد الموصول أيضا ، والجلالة نصب على التعظيم.
وقرأ أبو المتوكل (٢) وابن السّميفع : «كالم الله» على وزن فاعل ونصب الجلالة ، و «كليم» على هذا معنى مكالم نحو : جليس بمعنى مجالس ، وخليط بمعنى مخالط. وفي هذا الكلام التفات لأنه خروج من ضمير المتكلم المعظّم نفسه في قوله : «فضّلنا» إلى الاسم الظاهر الذي هو في حكم الغائب.
قوله : (دَرَجاتٍ) في نصبه ستة أوجه :
أحدها : أنه مصدر واقع موقع الحال.
الثاني : أنه حال على حذف مضاف ، أي : ذوي درجات.
الثالث : أنه مفعول ثان ل «رفع» على أنه ضمّن معنى بلّغ بعضهم درجات.
الرابع : أنه بدل اشتمال ، أي : رفع درجات بعضهم ، والمعنى : على درجات بعض.
الخامس : أنه مصدر على معنى الفعل لا لفظه ، لأن الدرجة بمعنى الرّفعة ، فكأنه قيل : ورفع بعضهم رفعات.
السادس : أنه على إسقاط الخافض ، وذلك الخافض يحتمل أن يكون «على» أو «في» أو «إلى» تقديره : على درجات أو في درجات أو إلى درجات ، فلمّا حذف حرف الجر انتصب ما بعده.
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مفعوله محذوف ، فقيل : تقديره : أن لا تختلفوا وقيل : أن لا تفشلوا ، وقيل : أن لا تؤمروا بالقتال ، وقيل : أن يضطرّهم إلى الإيمان ، وكلّها متقاربة.
و (مِنْ بَعْدِهِمْ) متعلّق بمحذوف لأنه صلة ، والضمير يعود على الرسل. و «من بعدما جاءتهم» فيه قولان :
أحدهما : أنه بدل من قوله : «من بعدهم» بإعادة العامل.
والثاني : أنه متعلق ب «اقتتل» ، إذ في البينات ـ وهي الدلالات الواضحة ـ ما يغني عن التقاتل والاختلاف. والضمير في «جاءتهم» يعود على الذين من بعدهم ، وهم أمم الأنبياء.
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٧٣).
(٢) غير مخرج في الأصل ٣٣٨