والثاني : أنها للتخيير. والمشهور فتح الواو عطفا على المنصوب قبله. وقرأ الحسن بسكونها ، استثقل الفتحة على الواو فقدّرها كما يقدّرها في الألف ، وسائر العرب على استخفافها ، ولا يجوز تقديرها إلا في ضرورة كقوله ـ وهو عامر بن الطفيل ـ :
١٠١٠ ـ فما سوّدتني عامر عن وراثة |
|
أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب (١) |
ولمّا سكّن الواو حذفت للساكن بعدها وهو اللام من «الذي». وقال ابن عطية : «والذي عندي أنه استثقل الفتحة على واو متطرفة قبلها متحرك لقلّة مجيئها في كلامهم ، وقال الخليل : «لم يجيء في الكلام واو مفتوحة متطرفة قبلها فتحة إلا قولهم : «عفوة» جمع عفو ، وهو ولد الحمار ، وكذلك الحركة ـ ما كانت ـ قبل الواو المفتوحة فإنّها ثقيلة» انتهى.
قال الشيخ (٢) : «فقوله : لقلّة مجيئها يعني مفتوحة مفتوحا ما قبلها ، وهذا الذي ذكره فيه تفصيل ، وذلك أنّ الحركة قبلها : إمّا أن تكون ضمة أو كسرة أو فتحة. فإن كانت ضمة : فإمّا أن يكون ذلك في اسم أو فعل ، فإن كان في فعل فهو كثير ، وذلك جميع أمثلة المضارع الداخل عليها حرف نصب نحو : «لن يغزو» ، والذي لحقه نون التوكيد منها نحو : «هل يغزونّ» ، وكذا الأمر نحو : «اغزونّ» ، وكذا الماضي على فعل في التعجب نحو : سرو الرجل ، حتى إن ذوات الياء تردّ إلى الواو في التعجب فيقولون : «لقضو الرجل» ، على ما أحكم في باب التصريف. وإن كان ذلك في اسم : فإمّا أن يكون مبنيا على هاء التأنيث فيكثر أيضا نحو : عرقوة (٣) وترقوة (٤) وقمحدوة (٥). وإن كان قبلها فتحة فهو قليل كما ذكر الخليل ، وإن كان قبلها كسرة قلبت الواو ياء نحو : الغازي والغازية ، وشذّ من ذلك «أفروة» جمع فروة وهي ميلغة الكلب ، و «سواسوة» وهم : المستوون في الشر ، و «مقاتوة» جمع مقتو وهو السائس الخادم. وتلخّص من هذا أنّ المراد بالقليل واو مفتوحة متطرفة ما قبلها في اسم غير ملتبس بتاء التأنيث ، فليس قول ابن عطية «والذي عندي إلى آخره» بظاهر.
والمراد بقوله : (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) قيل : الزوج. وقيل : الوليّ ، وأل في النكاح للعهد ، وقيل بدل من الإضافة ، أي : نكاحه كقوله :
١٠١١ ـ لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم |
|
من الجود ، والأحلام غير عوازب (٦) |
أي أحلامهم : وهذا رأي الكوفيين. وقال بعضهم : في الكلام حذف تقديره : بيده حلّ عقدة النكاح ، كما قيل ذلك في قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ)(٧) أي عقد عقدة النكاح وهذا يؤيّد أنّ المراد الزوج.
__________________
(١) انظر شرح المفصل لابن يعيش (١٠ / ١٠٠) ، الخزانة (٣ / ٢٣٧) ، الحماسة الشجرية (١ / ٢١) ، المغني (٧٥٣).
(٢) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٣٧).
(٣) العرقوة : خشبة معروضة على الدلو ، والجمع عرق ، وأصله : عرقو. اللسان : عرق (٢٩٠٨).
(٤) التّرقوتان : العظمان المشرفان بين ثغرة النحر والعاتق ، تكون للناس وغيرهم. والتّرقوة فعلوة ـ بالفتح ـ ولا تقل ترقوة بالضم. وقيل : هي عظم وصل بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين. وجمعها تراقي. اللسان : ترق (٤٢٩).
(٥) القمحدوة : الهنة الناشزة فوق القفا. وهي بين الذؤابة والقفا ، منحدرة عن الهامة إذا استلقى الرجل أصابت الأرض من رأسه. وهي أيضا : أعلى القذال. اللسان : قمحد (٣٧٣٥).
(٦) البيت للنابغة انظر ديوانه (٥٦) ، القرطبي (٣ / ٢٠٦).
(٧) سورة البقرة ، آية (٢٣٥).