والثاني : أنه منصوب على إسقاط حرف الجر وهو «على» ، فإنّ «عزم» يتعدّى بها ، قال :
عزمت على إقامة ذي صباح |
|
لأمر ما يسوّد من يسود (١) |
وحذفها جائز كقول عنترة :
١٠٠٧ ـ ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه |
|
حتّى أنال به كريم المطعم (٢) |
أي : وأظلّ عليه.
والثالث : أنه منصوب على المصدر ، فإنّ المعنى : ولا تعقدوا عقدة ، فكأنه مصدر على غير الصدر ، نحو : قعدت جلوسا ، والعقدة مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف ، أي : عقدتكم النكاح.
قوله : (فَاحْذَرُوهُ) الهاء في «فاحذروه» تعود على الله تعالى ، ولا بدّ من حذف مضاف أي : فاحذروا عقابه. ويحتمل أن تعود على «ما» في قوله «ما في أنفسكم» بمعنى ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز ، قاله الزمخشري.
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)(٢٣٦)
قوله تعالى : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) : في «ما» هذه ثلاثة أقوال :
أظهرها : أن تكون مصدرية ظرفية ، تقديره : مدة عدم المسيس كقوله :
١٠٠٨ ـ إنّي بحبلك واصل حبلي |
|
وبريش نبلك رائش نبلي (٣) |
ما لم أجدك على هدى أثر |
|
يقرو مقصّك قائف قبلي |
والثاني : أن تكون شرطية بمعنى إن ، نقله أبو البقاء. وليس بظاهر ، لأنه يكون حينئذ من باب اعتراض الشرط على الشرط ، فيكون الثاني قيدا في الأول نحو : «إن تأت إن تحسن إليّ أكرمك» أي : إن أتيت محسنا ، وكذا في الآية الكريمة : إن طلقتموهن غير ماسين لهن ، بل الظاهر أنّ هذا القائل إنما أراد تفسير المعنى ، لأنّ «ما» الظرفية مشبّهة بالشرطية ، ولذلك تقتضي التعميم. والثالث : أن تكون موصولة بمعنى الذي ، وتكون للنساء ؛ كأنه قيل : إن طلّقتم النساء اللائي لم تمسّوهنّ ، وهو ضعيف ، لأنّ «ما» الموصولة لا يوصف بها ، وإن كان يوصف بالذي والتي وفروعهما.
وقرأ الجمهور : «تمسّوهنّ» ثلاثيا وهي واضحة. وقرأ حمزة والكسائي : «تماسّوهنّ» من المفاعلة ، فيحتمل أن يكون فاعل بمعنى فعل كسافر ، فتوافق الأولى ، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة ، فإنّ الفعل من الرجل
__________________
(١) تقدم.
(٢) انظر ديوانه (١٨٧) ، شرح القصائد العشر (٣٢٥).
(٣) البيتان لامرئ القيس انظر ديوانه (٢٣٩) ، وهو من شواهد البحر (٢ / ٢٣١).