والخامس : أن ينتصب على الظرف مجازا أي : في سرّ. وعلى الأقوال الأربعة فلا بدّ من حذف مفعول تقديره : لا تواعدوهنّ نكاحا.
والسّرّ : ضدّ الجهر ، وقيل : يطلق على الوطء وعلى الزّنا بخصوصية ، وأنشدوا للحطيئة :
١٠٠٤ ـ ويحرم سرّ جارتهم عليهم |
|
ويأكل جارهم أنف القصاع (١) |
وقول الآخر ـ هو الأعشى ـ :
١٠٠٥ ـ ولا تقربنّ جارة إنّ سرّها |
|
حرام عليك فانكحن أو تأبّدا (٢) |
قوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا) في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه استثناء منقطع لأنه لا يندرج تحت «سرّ» على أيّ تفسير فسّرته به ، كأنه قال : لكن قولوا قولا معروفا.
والثاني : أنه متصل وفيه تأويلان ذكرهما الزمخشري فإنه قال : «فإن قلت بم يتعلّق حرف الاستثناء؟ قلت : ب «لا تواعدوهنّ» ، أي : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة ، أو لا تواعدوهنّ إلا بأن تقولوا ، أي : لا تواعدوهنّ إلّا بالتعريض ، ولا يكون استثناء منقطعا من «سرا» لأدائه إلى قولك : لا تواعدوهنّ إلا التعريض» انتهى. فجعله استثناء متصلا مفرغا على أحد تأويلين :
الأول : أنه مستثنى من المصدر ، ولذلك قدّره : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلّا مواعدة معروفة.
والثاني : أنه من مجرور محذوف ، ولذلك قدّره ب «إلّا بأن تقولوا» ، لأنّ التقدير عنده : لا تواعدوهنّ بشيء إلا بأن تقولوا ، ثم أوضح قوله بأن تقولوا بالتعريض ، فلمّا حذفت الباء من «أن» وهي باء السببية بقي في «أن» الخلاف المشهور بعد حذف حرف الجرّ ، هل هي في محلّ نصب أم جر؟ وقوله : «لأدائه إلى قولك إلى آخره» يعني أنه لا يصحّ تسلّط العامل عليه فإنّ القول المعروف عنده المراد به التعريض ، وأنت لو قلت : «لا تواعدوهنّ إلّا التعريض» لم يصحّ لأنّ التعريض ليس مواعدا.
وردّ عليه الشيخ (٣) بأنّ الاستثناء المنقطع ليس من شرطه صحّة تسلّط العامل عليه بل هو على قسمين : قسم يصحّ فيه ذلك ، وفيه لغتان : لغة الحجاز وجوب النصب مطلقا نحو : «ما جاء أحد إلا حمارا» ، ولغة تميم إجراؤه مجرى المتصل فيجرون فيه النصب والبدلية بشرطه ، وقسم لا يصحّ فيه ذلك نحو : «ما زاد إلا ما نقص» ، و «ما نفع إلا ما ضرّ». وحكم هذا النصب عند العرب قاطبة ، فالقسمان يشتركان في التقدير بلكن عند البصريين ، إلّا أنّ أحدهما يصحّ تسلّط العامل عليه في قولك : «ما جاء أحد إلا حمار» لو قلت : «ما جاء إلا حمار» صحّ ، بخلاف القسم الثاني ، فإنّه لا يتوجّه عليه العامل» ولتحقيق هذا موضع هو أليق به ، وقد تقدّم منه طرف صالح.
قوله : (عُقْدَةَ) في نصبه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول به على أنه ضمّن «عزم» معنى ما يتعدّى بنفسه وهو : تنووا أو تباشروا ونحو ذلك.
__________________
(١) انظر ديوانه (٦٢) ، القرطبي (٣ / ١٩١).
(٢) تقدم.
(٣) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٢٩).