قوله تعالى : (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) : في محل نصب على الحال وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : الهاء المجرورة في «به».
والثاني : «ما» المجرورة ب «في» ، والعامل على كلا التقديرين محذوف ، وقال أبو البقاء : «حال من الهاء المجرورة ، فيكون العامل فيه «عرّضتم». ويجوز أن يكون حالا من «ما» فيكون العامل فيه الاستقرار». وهذا على ظاهره ليس بجيد ، لأنّ العامل فيه محذوف على ما تقرّر ، إلا أن تريد من حيث المعنى لا الصناعة فقد يجوز له ذلك.
والخطبة مصدر مضاف للمفعول أي : من خطبتكم النساء ، فحذف الفاعل للعلم به. والخطبة مصدر في الأصل بمعنى الخطب ، والخطب : الحاجة ، ثم خصّت بالتماس النكاح لأنه بعض الحاجات ، يقال : ما خطبك؟ أي : ما حاجتك. وقال الفراء : «الخطبة مصدر بمعنى الخطب وهي من قولك : إنه لحسن الجلسة والقعدة أي : الجلوس والقعود ، والخطبة ـ بالضم ـ الكلام المشتمل على الوعظ والزجر ، وكلاهما من الخطب الذي هو الكلام. وكانت سجاح يقال لها خطب فتقول : نكح.
قوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) «أو» هنا للإباحة أو التخيير أو التفصيل أو الإبهام على المخاطب ، وأكنّ في نفسه شيئا أي : أخفاه ، وكنّ الشيء بثوب ونحوه : أي ستره به ، فالهمزة في «أكنّ» للتفرقة بين الاستعمالين كأشرقت وشرقت. ومفعول «أكنّ» محذوف يعود على «ما» الموصولة في قوله : «فيما عرّضتم» أي : أو أكننتموه. ف «في أنفسكم» متعلّق ب «أكننتم» ، ويضعف جعله حالا من المفعول المقدّر.
قوله : (وَلكِنْ) هذا الاستدراك فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه استدراك من الجملة قبله ، وهي قوله : «ستذكرونهنّ» ، فإنّ الذّكر يقع على أنحاء كثيرة ووجوه متعددة ، فاستدرك منه وجه نهي فيه عن ذكر مخصوص ، ولو لم يستدرك لكان من الجائز ، لاندراجه تحت مطلق الذّكر. وهو نظير : «زيد سيلقى خالدا ولكنّ لا يواجهه بشرّ». لمّا كانت أحوال اللقاء كثيرة ، من جملتها مواجهته بالشرّ ، استدركت هذه الحالة من بينها.
والثاني ـ قاله أبو البقاء ـ : أنه مستدرك من قوله : «فيما عرّضتم» وليس بواضح.
والثالث : ـ قاله الزمخشري ـ أنّ المستدرك منه جملة محذوفة قبل «لكن» تقديره : «فاذكروهنّ ، ولكن لا تواعدوهنّ سرا» وقد تقدّم أنّ المعنى على الاستدراك من الجملة قبله فلا حاجة إلى حذف ... ، وإنما الذي يحتاجه ما بعد «لكن» وقوع ما قبلها من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، لأنّ نفي المواجهة بالشرّ يستدعي وقوع اللقاء.
قوله : (سِرًّا) فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا ثانيا لتواعدوهنّ.
والثاني : أنه حال من فاعل «تواعدوهنّ» أي : لا تواعدوهنّ مستخفين بذلك.
والثالث : أنه نعت مصدر محذوف أي : مواعدة سرا.
والرابع : أنه حال من ذلك المصدر المعرّف ، أي : المواعدة مستخفية.