والثالث : أنّ المعدود مذكر وهو الأيام ، وإنما حذفت التاء لأنّ المعدود المذكّر متى ذكر وجب لحاق التاء في عدده ، وإذا حذف لفظا جاز في العدد الوجهان : ذكر التاء وعدمها. حكى الكسائي : «صمنا من الشهر خمسا» ، ومنه الحديث : «وأتبعه بستّ من شوال» (١) ، وقال آخر :
١٠٠٣ ـ وإلا فسير مثل ما سار راكب |
|
تيمم خمسا ليس في سيره أمم (٢) |
نص النحويون على ذلك.
قال الشيخ (٣) : «فلا يحتاج إلى تأويلها بالليالي ولا بالمدد كما قدّره الزمخشري والمبرد على هذا». قال : «وإذا تقرر هذا فجاء قوله : «وعشرا» على أحد الجائزين ، وإنما حسن حذف التاء هنا لأنه مقطع كلام فهو شبيه بالفواصل ، كما حسّن قوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً)(٤) كونه فاصلة ، فقوله : «ولو ذكّرت لخرجت من كلامهم» ليس كما ذكر ، بل هو الأفصح. وفائدة ذكره «إن لبثتم إلّا يوما» بعد قوله : (إِلَّا عَشْراً) أنه على زعمه أراد الليالي والأيام داخلة معها ، فقوله «إلا يوما» دليل على إرادة الأيام». قال الشيخ : «وهذا عندنا يدلّ على أنّ المراد بالعشر الأيام ، لأنهم اختلفوا في مدّة اللّبث ، فقال بعضهم : «عشرا» وقال بعضهم : «يوما» فدلّ على أنّ المقابل باليوم إنما هو أيام ، إذ لا يحسن في المقابلة أن يقول بعضهم : عشر ليال ، فيقول البعض : يوم».
قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن يكون حالا من فاعل «فعلن» أي : فعلن ملتبسات بالمعروف ومصاحبات له.
والثاني : أنه مفعول به أي : تكون الباء باء التعدية.
والثالث : أن يكون نعت مصدر محذوف أي : فعلن فعلا بالمعروف ، أي : كائنا ، ويجيء فيه مذهب سيبويه : أنه حال من ضمير المصدر المعرفة أي : فعلنه ـ أي الفعل ـ ملتبسا بالمعروف وهو الوجه الرابع.
و (بِما تَعْمَلُونَ) متعلق ب «خبير». وقدّم لأجل الفاصلة. و «ما» يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون بمعنى الذي أو نكرة موصوفة ، وهو ضعيف. وعلى هذين القولين فلا بدّ من عائد محذوف ، وعلى الأول لا يحتاج إليه إلا على رأي ضعيف.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٢٣٥)
__________________
ـ الكتاب (٢ / ١٧٤) ، البحر (٢ / ٢٢٣).
(١) تقدم تخريجه.
(٢) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٢٣).
(٣) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٢٤).
(٤) سورة طه ، آية (١٠٣).