الرابع : أنّ «يتربّصن» خبر لمبتدأ محذوف ، التقدير : أزواجهم يتربّصن ، وهذه الجملة خبر عن الأول ، قاله المبرد.
الخامس : أنّ الخبر محذوف بجملته قبل المبتدأ ، تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفّون ، ويكون قوله : «يتربّصن» جملة مبيّنة للحكم ومفسّرة له ، فلا موضع لها من الإعراب ، ويعزى هذا لسيبويه. قال ابن عطية : «وحكى المهدويّ عن سيبويه أنّ المعنى : «وفيما يتلى عليكم الذين يتوفّون ، ولا أعرف هذا الذي حكاه ، لأنّ ذلك إنما يتّجه إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد المبتدأ نحو قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)(١) ، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)(٢) ، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه ، فتحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر».
السادس : أنّ بعض الجملة قام مقام شيء مضاف إلى عائد المبتدأ ، والتقدير : «والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربص أزواجهم» فحذف «أزواجهم» بجملته ، وقامت النون التي هي ضمير الأزواج مقامهنّ بقيد إضافتهنّ إلى ضمير المبتدأ.
وقراءة الجمهور «يتوفّون» مبنيا لما لم يسمّ فاعله ، وقرأ أمير المؤمنين ـ ورواها المفضل عن عاصم ـ بفتح الياء على بنائه للفاعل ، ومعناها : يستوفون آجالهم ، قاله أبو القاسم الزمخشري.
والذي يحكى أن أبا الأسود كان خلف جنازة فقال له رجل : من المتوفّي؟ بكسر الفاء ، فقال : الله ، وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي رضي الله عنه على أن أمره بوضع كتاب في النحو. وهذا تناقضه هذه القراءة.
وقد تقدّم احتمالات في قوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٣) وهل «بأنفسهن» تأكيد أو لا؟ وهل نصب «قروء» على الظرف أو المفعولية؟ وهي جارية ههنا.
قوله : (مِنْكُمْ) في محلّ نصب على الحال من مرفوع «يتوفّون» والعامل فيه محذوف تقديره : حال كونهم منكم. و «من» تحتمل التبعيض وبيان الجنس.
قوله : (وَعَشْراً) إنما قال «عشرا» من غير تأنيث في العدد لثلاثة أوجه :
الأول : أنّ المراد «عشر ليال». مع أيامها ، وإنما أوثرت الليالي على الأيام في التاريخ لسبقها. قال الزمخشري : «وقيل «عشرا» ذهابا إلى الليالي ، والأيام داخلة فيها ، ولا تراهم قطّ يستعملون التذكير ذاهبين فيه إلى الأيام ، تقول : «صمت عشرا» ، ولو ذكّرت خرجت من كلامهم ، ومن البيّن قوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً)(٤) ، (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً)(٥).
والثاني ـ وهو قول المبرد ـ : أنّ حذف التاء لأجل أنّ التقدير عشر مدد كلّ مدة منها يوم وليلة ، تقول العرب : «سرنا خمسا» أي : بين يوم وليلة قال :
١٠٠٢ ـ فطافت ثلاثا بين يوم وليلة |
|
وكان النّكير أن تضيف وتجأرا (٦) |
__________________
(١) سورة المائدة ، آية (٣٨).
(٢) سورة النور ، آية (٢).
(٣) سورة البقرة ، آية (٢٢٨).
(٤) سورة طه ، آية (١٠٣).
(٥) سورة طه ، آية (١٠٤).
(٦) البيت للنابغة الجعدي انظر ديوانه (٦٤) ، وهو من شواهد ـ