والثاني : أن يتعلّق ب «آتيتم».
والثالث : أن يكون حالا من فاعل «سلّمتم» أو «آتيتم» ، فالعامل فيه حينئذ محذوف أي : ملتبسين بالمعروف.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٢٣٤)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) الآية : فيه أوجه :
الأول : أنّ (الَّذِينَ) مبتدأ لا خبر له ، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهنّ به ، لأنّ الحديث معهنّ في الاعتداد ، فجاء الخبر عن المقصود ، إذ المعنى : من مات عنها زوجها تربّصت. وإليه ذهب الكسائي والفراء ، وأنشد الفراء :
٩٩٩ ـ لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة |
|
على ابن أبي ذبّان أن يتندّما (١) |
فقال : «لعلي» ثم قال : «أن يتندم» فأخبر عن ابن أبي ذبّان ، فترك المتكلم ، إذا التقدير : لعل ابن أبي ذبان أن يتندّم إن مالت بي الريح ميلة. وقال آخر :
١٠٠٠ ـ بني أسد إنّ ابن قيس وقتله |
|
بغير دم دار المذلّة حلّت (٢) |
فأخبر عن قتله بأنه دار مذلّة ، وترك الإخبار عن ابن قيس.
وتحرير مذهب الكسائي والفراء أنه إذا ذكر اسم ، وذكر اسم مضاف إليه فيه معنى الإخبار ترك عن الأول وأخبر عن الثاني نحو : «إنّ زيدا وأخته منطلقة» ، المعنى : إنّ أخت زيد منطلقة ، لكنّ الآية الكريمة والبيت الأول ليسا من هذا الضرب ، وإنما الذي أورده تشبيها بهذا الضرب قوله :
١٠٠١ ـ فمن يك سائلا عنّي فإنّي |
|
وجروة لا ترود ولا تعار (٣) |
ولتحرير هذا المذهب والردّ عليه وتأويل دلائله كتاب غير هذا.
الثاني : أنّ له خبرا وهو «يتربّصن» ولا بدّ من حذف يصحّح وقوع هذه الجملة خبرا عن الأول لخلوّها من الرابط ، والتقدير : وأزواج الذين يتوفّون يتربّصن. ويدلّ على هذا المحذوف قوله : (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لتلك الدلالة.
الثالث أن الخبر أيضا «يتربّصن» ولكن حذف العائد من الكلام للدلالة عليه ، والتقدير : يتربصن بعدهم أو بعد موتهم ، قاله الأخفش.
__________________
(١) البيت لثبت العتكي انظر معاني الفراء (١ / ١٥٠) ، البحر (٢ / ٢٢٢) ، الطبري (٥ / ٧٧).
(٢) البيت في تفسير الطبري (٥ / ٧٨) ، الصاحبي (١٨٥).
(٣) البيت لشداد العبسي وهو من شواهد الكتاب (١ / ١٥٢) ، البحر (٢ / ٢٢٢) ، اللسان «جبرا».