أولا ذلك المعنى المدلول عليه بالشرط الأول وجوابه ، فقوله ثانيا «وهو متعلق بما تعلّق به عليكم» تناقض ، اللهم إلا أن يقال : قد يكون سقطت من الكاتب ألف ، وكان الأصل «أو هو متعلق» فيصحّ ، إلا أنه إذا كان كذلك تمحّضت «إذا» للظرفية ، ولم تكن للشرب ، وكلام هذا القائل يشعر بأنها شرطية في الوجهين على تقدير الاعتذار عنه.
وقرأ الجمهور : «آتيتم» بالمدّ هنا وفي الروم : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً)(١) ، وقصرهما ابن كثير. وروي عن عاصم «أوتيتم» مبنيا للمفعول ، أي : ما أقدركم الله عليه. فأمّا قراءة الجمهور فواضحة لأنّ آتى بمعنى أعطى فهي تتعدّى لاثنين أحدهما ضمير يعود على «ما» الموصولة ، والآخر ضمير يعود على المراضع ، والتقدير : ما آتيتموهنّ إياه ، ف «هنّ» هو المفعول الأول ، لأنه فاعل في المعنى ، والعائد هو الثاني ، لأنه هو المفعول في المعنى. والكلام على حذف هذا الضمير وهو منفصل قد تقدّم ما عليه من الإشكال والجواب عند قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٢) فليلتفت إليه.
وأمّا قراءة القصر فمعناها جئتم وفعلتم كقول زهير :
٩٩٨ ـ وما كان من خير أتوه فإنّما |
|
توارثه آباء آبائهم قبل (٣) |
أي : فعلوه ، والمعنى إذا سلّمتم ما جئتم وفعلتم ، قال أبو علي : «تقدير : ما أتيتم نقده أو إعطاءه ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو عائد الموصول ، فصار : آتيتموه أي جئتموه ، ثم حذف عائد الموصول» وأجاز أبو البقاء أن يكون التقدير : ما جئتم به فحذف ، يعني حذف على التدريج ، بأنّ حذف حرف الجر أولا فاتصل الضمير منصوبا بفعل فحذف.
و «ما» فيها وجهان :
أظهرهما : أنها بمعنى الذي ، وأجاز أبو عليّ فيها أن تكون موصولة حرفية ، ولكن ذكر ذلك مع قراءة القصر خاصة ، والتقدير : إذا سلّمتم الإتيان ، وحينئذ يستغنى عن ذلك الضمير المحذوف. ولا يختصّ ذلك بقراءة القصر ، بل يجوز أن تكون مصدرية مع المدّ أيضا على أن المصدر واقع موقع المفعول ، تقديره : إذا سلّمتم الإعطاء ، أي : المعطى. والظاهر في «ما» أن يكون المراد بها الأجرة التي تعطاها المرضع ، والخطاب على هذا في قوله : «سلّمتم» و «آتيتم» للآباء خاصة ، وأجازوا أن يكون المراد بها الأولاد ، قاله قتادة والزهري. وفيه نظر من حيث وقوعها على العقلاء ، وعلى هذا فالخطاب في «سلّمتم» للآباء والأمهات.
وقرأ عاصم في رواية شيبان (٤) : «أوتيتم» على البناء للمجهول ومعناه : ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة ، وهو في معنى قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)(٥).
قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلّق ب «سلّمتم» أي : بالقول الجميل.
__________________
(١) سورة الروم ، آية (٣٩).
(٢) سورة البقرة ، آية (٣).
(٣) البيت في ديوانه (١١٥) ، القرطبي (٣ / ١٧٣).
(٤) انظر غاية النهاية (١ / ٣٢٩).
(٥) سورة الحديد ، آية (٧).