قوله : (مِنْهُما) في محلّ جرّ صفة ل «تراض» ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : تراض كائن أو صادر منهما. و «من» لابتداء الغاية.
وقوله : (وَتَشاوُرٍ) حذفت لدلالة ما قبلها عليها والتقدير : وتشاور منهما ، ويحتمل أن يكون التشاور من أحدهما مع غير الآخر لتتفق الآراء منهما ومن غيرهما على المصلحة.
قوله : (فَلا جُناحَ) الفاء جواب الشرط ، وقد تقدّم نظير هذه الجملة (١) ، ولا بدّ قبل هذا الجواب من جملة قد حذفت ليصحّ المعنى بذلك تقديره : ففصلاه أو فعلا ما تراضيا عليه فلا جناح عليهما في الفصال أو في الفصل.
قوله : (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا) أن وما في حيّزها في محلّ نصب مفعولا ب «أراد» وفي «استرضع» قولان للنحويين :
أحدهما : أنه يتعدّى لاثنين ثانيهما بحرف الجرّ ، والتقدير : أن تسترضعوا المراضع لأولادكم ، فحذف المفعول الأول وحرف الجر من الثاني ، فهو نظير «أمرت الخير» ، ذكرت المأمور به ولم تذكر المأمور ، لأنّ الثاني منهما غير الأول ، وكلّ مفعولين كانا كذلك فأنت فيهما بالخيار بين ذكرهما وحذفهما ، وذكر الأول ، دون الثاني والعكس.
والثاني : أنه متعدّ إليهما بنفسه ، ولكنه حذف المفعول الأول وهذا رأي الزمخشري ، ونظّر الآية الكريمة بقولك : «أنجح الحاجة» واستنجحته الحاجة» وهذا يكون نقلا بعد نقل ، لأنّ الأصل «رضع الولد» ، ثم تقول : «أرضعت المرأة الولد» ، ثم تقول : «استرضعتها الولد» هكذا قال الشيخ (٢).
وفيه نظر ، لأنّ قوله : «رضع الولد» يعتقد أنّ هذا لازم ثم عدّيته بهمزة النقل ، ثم عدّيته ثانيا بسين الاستفعال ، وليس كذلك لأنّ «رضع الولد» متعدّ ، غاية ما فيه أنّ مفعوله غير مذكور تقديره : رضع الولد أمّه ، لأنّ المادة تقتضي مفعولا به كضرب ، وأيضا فالتعدية بالسين قول مرغوب عنه. والسين للطلب على بابها نحو : استسقيت زيدا ماء واستطعمته خبزا ، فكما أنّ ماء وخبزا منصوبان لا على إسقاط الخافض كذلك «أولادكم». وقد جاء استفعل للطلب وهو معدّى إلى الثاني بحرف جر ، وإن كان «أفعل» الذي هو أصله متعدّيا لاثنين نحو : «أفهمني زيد المسألة» واستفهمته عنها ، ويجوز حذف «عن» ، فلم يجىء مجيء «استسقيت» و «استطعمت» من كون ثانيهما منصوبا لا على إسقاط الخافض.
وفي هذا الكلام التفات وتكوين : أمّا الالتفات فإنه خروج من ضمير الغيبة في قوله «فإن أرادوا» إلى الخطاب في قوله : «وإن أردتم» إذ المخاطب الآباء والأمهات. وأمّا التكوين في الضمائر فإنّ الأول ضمير تثنية وهذا ضمير جمع ، والمراد بهما الآباء والأمهات أيضا ، وكأنه رجع بهذا الضمير المجموع إلى الوالدات والمولود له ، ولكنه غلّب المذكّر وهو المولود له ، وإن كان مفردا لفظا. و «فلا جناح» جواب الشرط.
قوله : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) «إذا» شرط حذف جوابه لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه ، قال أبو البقاء : «وذلك المعنى هو العامل في «إذا» وهو متعلق بما تعلّق به «عليكم». وهذا خطأ في الظاهر ، لأنه جعل العامل فيها
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٣٠).
(٢) البحر المحيط (٢ / ٢١٨).