كثيرة واقعة في الغد ويجزم بها» وهذا الرّدّ من الشيخ عجيب جدا ، كيف يقال في الآية : إنّ الظن بمعنى اليقين ، ثم يجعل اليقين بمعنى الظن المسوغ لعمله في «أن» الناصبة. وقوله : «لأنّ الإنسان قد يجزم بأشياء في الغد» مسلّم ، لكن ليس هذا منها.
وقوله : (أَنْ يُقِيما) إمّا سادّ مسدّ المفعولين ، أو الأول والثاني محذوف ، على حسب المذهبين المتقدمين.
قوله : (يُبَيِّنُها) في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها في محلّ رفع خبرا بعد خبر ، عند من يرى ذلك.
والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها «حدود الله» والعامل فيها اسم الإشارة وقرئ : «نبيّنها» بالنون ، ويروى عن عاصم ، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم للتعظيم. و «لقوم» متعلق به. و «يعلمون» في محلّ خفض صفة لقوم. وخصّ العلماء بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالبيان دون غيرهم.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢٣٢)
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ) : شرط جوابه (فَأَمْسِكُوهُنَّ) ، وقوله : (فَبَلَغْنَ) عطف على فعل الشرط. والبلوغ : الوصول إلى الشيء : بلغه يبلغه بلوغا ، قال امرؤ القيس :
٩٨٥ ـ ومجر كغلّان الأنيعم بالغ |
|
ديار العدوّ ذي زهاء وأركان (١) |
ومنه : البلغة والبلاغ اسم لما يتبلّع به.
قوله : «بمعروف» في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها : إمّا الفاعل أي : مصاحبين للمعروف ، أو المفعول أي : مصاحبات للمعروف.
قوله : (ضِراراً) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله أي : لأجل الضّرار.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال أي : حال كونكم مضارّين لهنّ.
قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أدغم أبو الحارث (٢) عن الكسائي اللام في الذال إذا كان الفعل مجزوما كهذه
__________________
(١) البيت في ديوانه (٩٣) ، وهو من شواهد البحر (٢ / ٢٠٦).
(٢) الليث بن خالد روى عنه سلمة بن عاصم توفي سنة ٢٤٠ ه غاية النهاية (٢ / ٢٤).