قوله : (عَلَيْهِما) الضمير في «عليهما» يجوز أن يعود على المرأة والزوج الأول المطلّق ثلاثا ، أي : فإن طلّقها الثاني وانقضت عدّتها منه فلا جناح على الزوج المطلّق ثلاثا ولا عليها أن يتراجعا. ويجوز أن يعود عليها وعلى الزوج الثاني ، أي : فلا جناح على المرأة ولا على الزوج الثاني أن يتراجعا ما دامت عدّتها باقية ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف تلك الجملة المقدّرة وهي «وانقضت عدّتها» وتكون الآية قد أفادت حكمين :
أحدهما : أنها لا تحلّ للأول إلّا بعد أن تتزوج بغيره.
والثاني : أنه يجوز أن يراجعها الثاني ما دامت عدّتها منه باقية ، ويكون ذلك دفعا لوهم من يتوهّم أنها إذا نكحت غير الأول حلّت للأول فقط ولم يكن للثاني عليها رجعة.
قوله : (أَنْ يَتَراجَعا) أي : في أن ، ففي محلّها القولان المشهوران ، و «عليهما» خبر «لا» ، و «في أن» متعلّق بالاستقرار ، وقد تقدّم أنه لا يجوز أن يكون «عليهما» متعلقا «ب» جناح» ، والجارّ الخبر ، لما يلزم من تنوين اسم «لا» ، لأنه حينئذ يكون مطوّلا.
قوله : (إِنْ ظَنَّا) شرط جوابه محذوف عند سيبويه لدلالة ما قبله عليه ، ومتقدّم عند الكوفيين وأبي زيد. والظّنّ هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين ، وهو مقوّ أن الخوف المتقدّم بمعنى الظّنّ. وزعم أبو عبيدة وغيره أنه بمعنى اليقين ، وضعّف هذا القول الزمخشري لوجهين :
أحدهما من جهة اللفظ وهو أنّ «أن» الناصبة لا يعمل فيها يقين ، وإنما ذلك للمشدّدة والمخففة منها ، لا تقول : علمت أن يقوم زيد ، إنما تقول : علمت أن يقوم زيد.
والثاني من جهة المعنى : فإنّ الإنسان لا يتيقّن ما في الغد وإنما يظنّه ظنا.
قال الشيخ (١) : «أمّا ما ذكره من أنه لا يقال : «علمت أن يقوم زيد» فقد ذكره غيره مثل الفارسي وغيره ، إلا أن سيبويه أجاز : «ما علمت إلا أن يقوم زيد» فظاهر هذا الردّ على الفارسي. قال بعضهم : الجمع بينهما أنّ «علم» قد يراد بها الظّنّ القويّ كقوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(٢) وقوله :
٩٨٣ ـ وأعلم علم حقّ غير ظنّ |
|
وتقوى الله من خير العتاد (٣) |
فقوله : «علم حق» يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق ، وكذا قوله «غير ظنّ» يفهم منه أنه قد يكون علم بمعنى الظن. وممّا يدلّ على أنّ «علم» التي بمعنى «ظنّ» تعمل في «أن» الناصبة قول جرير :
٩٨٤ ـ نرضى عن النّاس إنّ النّاس قد علموا |
|
أن لا يدانينا من خلقه أحد (٤) |
ثم قال الشيخ : «وثبت بقول جرير وتجويز سيبويه أنّ «علم» تعمل في «أن» الناصبة ، فليس بوهم من طريق اللفظ كما ذكره الزمخشري. وأمّا قوله : «لأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد» فليس كما ذكر ، بل الإنسان يعلم أشياء
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٢٠٣).
(٢) سورة الممتحنة ، آية (١٠).
(٣) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٠٣).
(٤) انظر ديوانه (٢٦١) ، الأشموني (٣ / ٣٨٢) ، الهمع (٢ / ٢٢) ، الدرر (٢ / ٢).