وقوله : (فَلا تَعْتَدُوها) أصله : تعتديوها ، فاستثقلت الضمّة على الياء ؛ فحذفت فسكنت الياء وبعدها واو الضمير ساكنة ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وضمّ ما قبل الواو لتصحّ ، ووزن الكلمة : تفتعوها.
قوله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ) «من» شرطية في محلّ رفع بالابتداء ، وفي خبرها الخلاف المتقدّم.
وقوله : (فَأُولئِكَ) جوابها. ولا جائز أن تكون موصولة ، والفاء زائدة في الخبر لظهور عملها الجزم فيما بعدها. و «هم» من قوله : «فأولئك هم» يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون فصلا.
والثاني : أن يكون بدلا و «الظالمون» على هذين خبر «أولئك» والإخبار بمفرد.
والثالث : أن يكون مبتدأ ثانيا ، و «الظالمون» خبره ، والجملة خبر «أولئك» والإخبار على هذا بجملة. ولا يخفى ما في هذه الجملة من التأكيد من حيث الإتيان باسم الإشارة للبعيد وتوسّط الفصل والتعريف باللام في «الظالمون» أي : المبالغون في الظلم. وحمل أولا على لفظ «من» فأفرد في قوله «يتعدّ» ، وعلى معناها ثانيا فجمع في قوله : «فأولئك هم الظالمون».
(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٢٣٠)
قوله تعالى : (مِنْ بَعْدُ) : أي : من بعد الطلاق الثالث ، فلمّا قطعت «بعد» عن الإضافة بنيت على الضّمّ لما تقدّم تقريره. و «له» و «من بعد» و «حتى» ثلاثتها متعلقة ب «يحلّ». ومعنى «من» ابتداء الغاية واللام للتبليغ ، وحتى للتعليل ، كذا قال الشيخ ، والظاهر أنها للغاية ، لأنّ المعنى على ذلك ، أي : يمتدّ عدم التحليل له إلى أن تنكح زوجا غيره ، فإذا طلّقها وانقضت عدّتها منه حلّت للأول المطلّق ثلاثا ، ويدلّ على هذا الحذف فحوى الكلام.
و «غيره» صفة ل «زوجا» ، وإن كان نكرة ، لأنّ «غير» وأخواتها لا تتعرّف بالإضافة لكونها في قوة اسم الفاعل العامل. و «زوجا» هل هو للتقييد أو للتوطئة؟ وينبني على ذلك فائدة ، وهي أنه إن كان للتقييد : فلو كانت المرأة أمة وطلّقها زوجها ثلاثا ووطئها سيّدها لم تحلّ للأول لأنه ليس بزوج ، وإن كانت للتوطئة حلّت ، لأنّ ذكر الزوج كالملغى ، كأنه قيل : حتى تنكح غيره ، وإنما أتى بلفظ «زوج» لأنه الغالب.
قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) الضمير المرفوع عائد على «زوجا» النكرة ، أي : فإن طلّقها ذلك الزوج الثاني ، وأتى بلفظ «إن» الشرطية دون «إذا» تنبيها أنّ طلاقه يجب أن يكون باختياره من غير أن يشترط عليه ذلك ، لأنّ «إذا» للمحقق وقوعه و «إن» للمبهم وقوعه أو المتحقّق وقوعه ، المبهم زمان وقوعه ، نحو قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(١).
__________________
(١) سورة الأنبياء ، آية (٣٤).