وعلى هذا إذا أريد به الحيض فلاجتماع الدم في الرحم ، وإذا أريد به الطّهر فلاجتماع الدم في البدن ، ولكنّ القائل بالاشتراك اللفظي وجعلهما من الأضداد هم جمهور أهل اللسان كأبي عمرو ويونس وأبي عبيدة.
ومن مجيء القرء والمراد به الطّهر قول الأعشى :
٩٧٧ ـ أفي كلّ عام أنت جاشم غزوة |
|
تشدّ لأقصاها عظيم عزائكا (١) |
مورّثة عزّا وفي الحيّ رفعة |
|
لما ضاع فيها من قروء نسائكا |
ومن مجيئه للحيض قوله :
٩٧٨ ـ يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض |
|
له قروء كقروء الحائض (٢) |
أي : فسال دمه كدم الحائض. ويقال «قرء» بالضمّ نقله الأصمعي ، و «قرء» بالفتح نقله أبو زيد ، وهما بمعنى واحد.
وقرأ الحسن : «ثلاثة قرو» بفتح القاف وسكون الراء وتخفيف الواو من غير همز. ووجهها أنه أضاف العدد لاسم الجنس ، والقرو لغة في القرء. وقرأ الزهري ـ ويروى عن نافع ـ : «قروّ» بتشديد الواو ، وهي كقراءة الجمهور إلا أنه خفّف فأبدل الهمزة واوا وأدغم فيها الواو قبلها.
قوله : «لهنّ» متعلّق ب «يحلّ ، واللام للتبليغ ، كهي في «قلت لك».
قوله : (ما خَلَقَ) في «ما» وجهان :
أظهرهما : أنّها موصولة بمعنى الذي.
والثاني : أنها نكرة موصوفة ، وعلى كلا التقديرين فالعائد محذوف لاستكمال الشروط ، والتقدير : ما خلقه ، و «ما» يجوز أن يراد بها الجنين وهو في حكم غير العاقل ، فلذلك أوقعت عليه «ما» وأن يراد بها دم الحيض.
قوله : (فِي أَرْحامِهِنَ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بخلق.
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من عائد «ما» المحذوف ، التقدير ما خلقه الله كائنا في أرحامهنّ ، قالوا : وهي حال مقدّرة قال أبو البقاء : «لأنّ وقت خلقه ليس بشيء حتى يتمّ خلقه». وقرأ مبشّر بن عبيد : «في أرحامهنّ» و «بردّهنّ» بضمّ هاء الكناية ، وقد تقدّم أنه الأصل وأنه لغة الحجاز ، وأنّ الكسر لأجل تجانس الياء أو الكسرة.
قوله : (إِنْ كُنَ) هذا شرط ، وفي جوابه المذهبان المشهوران : إمّا محذوف ، وتقديره من لفظ ما تقدّم لتقوى الدلالة عليه ، أي : إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر فلا يحلّ لهنّ أن يكتمن ، وإمّا أنه متقدّم كما هو مذهب الكوفيين
__________________
(١) انظر ديوانه (٩١) ، المحتسب (١ / ١٨٣) ، الهمع (٢ / ١٤١) ، الدرر (٢ / ١٩٤).
(٢) تقدم.