والفاعل عندهم لا يحذف ، لكنه لمّا جرى مجرى الفضلات بسبب جرّه بالحرف أو خرج عن أصل باب الفاعل ، فلذلك جاز حذفه ، على أنّ أبا الحسن الأخفش ذكر في «المسائل» أنهم قالوا : «قاموا أنفسهم» من غير تأكيد. وفائدة التوكيد هنا أن يباشرن التربّص هنّ ، لا أنّ غيرهنّ يباشرنهنّ التربّص ، ليكون ذلك أبلغ في المراد.
والقروء : جمع كثرة ، ومن ثلاثة إلى عشرة يميّز بجموع القلة ولا يعدل عن القلة إلى ذلك إلا عند عدم استعمال جمع قلة غالبا ، وههنا فلفظ جمع القلة موجود وهو «أقراء» ، فما الحكمة بالإتيان بجمع الكثرة مع وجود جمع القلة؟. فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه لمّا جمع المطلقات جمع القروء ، لأنّ كلّ مطلقة تتربّص ثلاثة أقراء فصارت كثيرة بهذا الاعتبار.
الثاني : أنه من باب الاتساع ووضع أحد الجمعين موضع الآخر.
والثالث : أنّ قروءا جمع قرء بفتح القاف ، فلو جاء على «أقراء» لجاء على غير القياس لأنّ أفعالا لا يطّرد في فعل بفتح الفاء.
والرابع ـ وهو مذهب المبرد ـ : أنّ التقدير «ثلاثة من قروء» ، فحذف «من». وأجاز : ثلاثة حمير وثلاثة كلاب ، أي : من حمير ومن كلاب. وقال أبو البقاء : «وقيل : التقدير ثلاثة أقراء من قروء» وهذا هو مذهب المبرد بعينه ، وإنما فسّر معناه وأوضحه.
والقرء في اللغة قيل : أصله الوقت المعتاد تردّده ، ومنه : قرء النجم لوقت طلوعه وأفوله ، يقال : «أقرأ النجم» أي : طلع أو أفل. ومنه قيل لوقت هبوب الريح : قرؤها وقارئها ، قال الشاعر :
٩٧٥ ـ شنئت العقر عقر بني شليل |
|
إذا هبّت لقارئها الرّياح (١) |
أي : لوقتها ، وقيل : أصله الخروج من طهر إلى حيض أو عكسه ، وقيل : هو من قولهم : قريت الماء في الحوض أي : جمعته ، وهو غلط لأنّ هذا من ذوات الياء والقرء مهموز.
وإذا تقرّر ما ذكرت لك فاعلم أنّ أهل العلم اختلفوا في إطلاقه على الحيض والطّهر : هل هو من باب الاشتراك اللفظي ، ويكون من الأضداد أو من الاشتراك المعنوي فيكون من المتواطئ ، كما إذا أخذنا القدر المشترك : إمّا الاجتماع وإمّا الوقت وإمّا الخروج ونحو ذلك. وقرء المرأة لوقت حيضها وطهرها ، ويقال فيهما : أقرأت المرأة أي : حاضت أو طهرت. وقال الأخفش : أقرأت أي : صارت ذات حيض ، وقرأت بغير ألف أي : حاضت. وقيل : القرء : الحيض مع الطهر ، وقيل : ما بين الحيضتين. وقيل : أصله الجمع ، ومنه : قرأت الماء في الحوض : جمعته ، ومنه : قرأ القرآن ، وقولهم : ما أقرأت هذه الناقة في بطنها سلاقط ، أي : لم تجمع فيه جنينا ، ومنه قول عمرو بن كلثوم.
٩٧٦ ـ ذراعي عيطل أدماء بكر |
|
هجان اللّون لم تقرأ جنينا (٢) |
__________________
(١) البيت لمالك بن الحارث انظر ديوان الهذليين (٣ / ٨٣) ، الطبري (٤ / ٥١١) ، الأضداد (٢٨).
(٢) من معلقته المشهورة.