والسادس : أن تتعلّق بمحذوف ، والتقدير : والذين يؤلون لهم من نسائهم تربّص أربعة ، فتتعلّق بما يتعلق به «لهم» المحذوف ، هكذا قدّره الشيخ (١) وعزاه للزمخشري ، وفيه نظر ، فإنّ الزمخشري قال : «ويجوز أن يراد : لهم من نسائهم تربّص ، كقولك : «لي منك كذا» فقوله : «لهم» لم يرد به أن ثمّ شيئا محذوفا وهو لفظ «لهم» إنما أراد أن يعلّق «من» بالاستقرار الذي تعلّق به «للذين» غاية ما فيه أنه أتى بضمير «الذين» تبيينا للمعنى. وإلى هذا المنحى نحا أبو البقاء فإنه قال : «وقيل : الأصل «على» ولا يجوز أن تقوم «من» مقام «على» ، فعند ذلك تتعلّق «من» بمعنى الاستقرار ، يريد الاستقرار الذي تعلّق به قوله «للذين» ، وعلى تقدير تسليم أنّ لفظة «لهم» مقدرة وهي مرادة فحينئذ إنما تكون بدلا من «للذين» بإعادة العامل ، وإلّا يبق قوله : «للذين يؤلون» مفلتا. وبالجملة فتعلّقه بالاستقرار غير ظاهر.
وأمّا تقدير الشيخ : «والذين يؤلون لهم من نسائهم تربّص» فليس كذلك ، لأنّ «الذين» لو جاء كذلك غير مجرور باللام سهل الأمر الذي ادّعاه ، ولكن إنما جاء كما تراه مجرورا باللام.
ثم قال الشيخ : «وهذا كلّه ضعيف ينزّه القرآن عنه ، وإنما يتعلّق بيؤلون على أحد وجهين :
إمّا أن تكون «من» للسبب ، أي يحلفون بسبب نسائهم.
وإمّا أن يضمّن معنى الامتناع ، فيتعدّى ب «من» ، فكأنه قيل : للذين يمتنعون من نسائهم بالإيلاء ، فهذا وجهان مع الستة المتقدمة ، فتكون ثمانية ، وإن اعتبرت مطلق التضمين فتجيء سبعة.
والإيلاء : الحلف ، مصدر آلى يولي نحو : أكرم يكرم إكراما ، والأصل : إإلاء ، فأبدلت الهمزة الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها نحو : «إيمان».
ويقال تألّى وايتلى على افتعل ، والأصل : اإتلى ، فقلبت الثانية لما تقدّم.
والحلفة : يقال لها الأليّة والألوّة والألوة والإلوة ، وتجمع الأليّة على «ألايا» كعشيّة وعشايا ، ويجوز أن تجمع الألوّة أيضا على «ألايا» كركوبة وركائب. قال كثيّر عزة :
٩٧٠ ـ قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
إذا صدرت منه الأليّة برّت (٢) |
وقد تقدّم كيف تصريف أليّة وألايا عند قوله : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)(٣) جمع خطيئة.
والتربّص : الانتظار ، وهو مقلوب التصبّر. قال :
٩٧١ ـ تربّص بها ريب المنون لعلّها |
|
تطلّق يوما أو يموت حليلها (٤) |
وإضافة التربّص إلى الأشهر فيها قولان :
أحدهما : أنّه من باب إضافة المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولا به فأضيف إليه والحالة هذه.
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٨١).
(٢) انظر ديوانه (٢ / ٢٢٠) ، البحر (١ / ١٧٦).
(٣) سورة البقرة ، آية (٥٨).
(٤) البيت في اللسان م «ربص» ، والجمهرة (١ / ٢٥٩).