وكتبت «رحمة» هنا بالتاء : إمّا جريا على لغة من يقف على تاء التأنيث بالتاء ، وإمّا اعتبارا بحالها في الوصل ، وهي في القرآن في سبعة مواضع كتبت في الجميع تاء ، هنا وفي الأعراف : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ)(١) ، وفي هود : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ)(٢) وفي مريم : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ)(٣) ، وفي الروم : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ)(٤) ، وفي الزخرف : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ، (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ)(٥).
قوله تعالى : (عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) : الخمر : المعتصر من العنب إذا غلى وقذف بالزّبد ، ويطلق على ما غلى وقذف بالزّبد من غير ماء العنب مجازا.
وفي تسميتها «خمرا» أربعة أقوال :
أحدها : ـ وهو المشهور ـ أنها سمّيت بذلك لأنها تخمر العقل أي تستره ، ومنه : خمار المرأة لستره وجهها ، و : «خامري حضاجر ، أتاك ما تحاذر» (٦) يضرب للأحمق ، وحضاجر علم للضبع ، أي : استتر عن الناس. ودخل في خمار الناس وغمارهم. وفي الحديث : «خمّروا آنيتكم» (٧) ، وقال :
٩٤٥ ـ ألا يا زيد والضّحاك سيرا |
|
فقد جاوزتما خمر الطريق (٨) |
أي : ما يستركما من شجر وغيره. وقال العجّاج يصف مسير جيش ظاهر :
٩٤٦ ـ في لامع العقبان لا يمشي الخمر |
|
............... (٩) |
والثاني : لأنها تغطّى حتى تدرك وتشتدّ ، ومنه «خمّروا آنيتكم».
والثالث : ـ قال ابن الأنباري ـ لأنها تخامر العقل أي : تخالطه ، يقال : خامره الداء أي : خالطه.
والرابع : لأنها تترك حتى تدرك ، ومنه : «اختمر العجين» أي : بلغ إدراكه ، وخمّر الرأي أي : تركه حتى ظهر له فيه وجه الصواب ، وهذه أقوال متقاربة. وعلى هذه الأقوال كلّها تكون الخمر في الأصل مصدرا مرادا به اسم الفاعل أو اسم المفعول.
والميسر : القمار ، مفعل من اليسر ، يقال : يسر ييسر. قال علقمة :
٩٤٧ ـ لو ييسرون بخيل قد يسرت بها |
|
وكلّ ما يسر الأقوام مغروم (١٠) |
وقال آخر :
٩٤٨ ـ أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني |
|
ألم تيئسوا أنّي ابن فارس زهدم (١١) |
__________________
(١) سورة الأعراف ، آية (٥٦).
(٢) سورة هود ، آية (٧٣).
(٣) سورة مريم ، آية (٢).
(٤) سورة الروم ، آية (٥٠).
(٥) سورة الزخرف ، آية (٣٢).
(٦) مجمع الأمثال للميداني (١ / ٣٣٢).
(٧) أخرجه البخاري ٧ / ٣٠٣ ، كتاب الأشربة (٥٦٢٣) ، ومسلم (٣ / ١٥٩٤) ، كتاب الأشربة (٩٦ ـ ٢٠١٢).
(٨) البيت في ابن يعيش (١ / ١٢٩) ، الهمع (٢ / ١٤٢) ، الدرر (٢ / ١٩٦).
(٩) انظر ديوانه (١ / ٣٨) ، والطبري (٤ / ٣٢١) ، القرطبي (٣ / ٥١).
(١٠) انظر ديوانه (٧٧) ، وهو من شواهد البحر (٤ / ١٤).
(١١) البيت لسحيم ذكره ابن منظور في اللسان م «يسر» ، مشكل القرآن (١٩٢) ، الكشاف (٤ / ٥١٧).