رجّح الأول بالاستقلال وعدم التقييد.
والثاني بأنّ عطفها على الجزاء أقرب من عطفها على جملة الشرط ، والقرب مرجّح.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(٢١٩)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) : إنّ واسمها ، و «أولئك» مبتدأ ، و «يرجون» خبره ، والجملة خبر «إنّ» ، وهو أحسن من كون «أولئك» بدلا من «الذين» و «يرجون خبر «إنّ». وجيء بهذه الأوصاف الثلاثة مترتبة على حسب الواقع ، إذ الإيمان أول ثم المهاجرة ثم الجهاد. وأفرد الإيمان بموصول وحده لأنه أصل الهجرة والجهاد ، وجمع الهجرة والجهاد في موصول واحد لأنّهما فرعان عنه ، وأتى بخبر «إنّ» اسم إشارة لأنه متضمّن للأوصاف السابقة. وتكرير الموصول بالنسبة إلى الصفات لا الذوات ، فإنّ الذوات متحدة موصوفة بالأوصاف الثلاثة ، فهو من باب عطف بعض الصفات على بعض والموصوف واحد. ولا تقول : إنّ تكرير الموصول يدلّ على تغاير الذوات الموصوفة لأنّ الواقع كان كذلك. وأتى ب «يرجون» ليدلّ على التجدّد وأنهم في كلّ وقت يحدثون رجاء.
والمهاجرة مفاعلة من الهجر ، وهي الانتقال من أرض إلى أرض ، وأصل الهجر الترك. والمجاهدة مفاعلة من الجهد ، وهو استخراج الوسع وبذل المجهود ، والإجهاد : بذل المجهود في طلب المقصود ، والرجاء : الطمع ، وقال الراغب : هو ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة ، وقد يطلق على الخوف ، وأنشد :
٩٤٤ ـ إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عواسل (١) |
أي : لم يخف ، وقال تعالى : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يخافون ، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة أو المجاز؟ فزعم قوم أنّه حقيقة ، ويكون من الاشتراك اللفظي ، وزعم قوم أنه من الأضداد ، فهو اشتراك لفظي أيضا. قال ابن عطية : «وليس هذا بجيد». يعني أن الرجاء والخوف ليسا بضدين إذ يمكن اجتماعهما ، ولذلك قال الراغب : ـ بعد إنشاده البيت المتقدم ـ «ووجه ذلك أن الرجاء والخوف يتلازمان» ، وقال ابن عطية : «والرجاء أبدا معه خوف ، كما أن الخوف معه رجاء». وزعم قوم أنه مجاز للتلازم الذي ذكرناه عن الراغب وابن عطية.
وأجاب الجاحظ عن البيت بأنّ معناه لم يرج برء لسعها وزواله فالرجاء على بابه». وأمّا قوله : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا)(٢) أي لا يرجون ثواب لقائنا ، فالرجاء أيضا على بابه ، قاله ابن عطية. وقال الأصمعي : «إذا اقترن الرجاء بحرف النفي كان بمعنى الخوف كهذا البيت والآية. وفيه نظر إذ النفي لا يغيّر مدلولات الألفاظ.
__________________
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر ديوان الهذليين (١ / ١٤٣) ، الكشاف (٤ / ٤٩٩).
(٢) سورة يونس ، آية (٧).