وفي اشتقاقه أربعة أقوال :
أحدها : من اليسر وهو السهولة ، لأنّ أخذه سهل.
الثاني : من اليسار وهو الغنى ، لأنه يسلبه يساره.
الثالث : من يسر لي كذا أي : وجب ، حكاه الطبري عن مجاهد. وردّ ابن عطية عليه.
الرابع : من يسر إذا جزر ، والياسر الجازر ، وهو الذي يجزّئ الجزور أجزاء. قال ابن عطية : «وسمّيت الجزور التي يستهم عليها ميسرا لأنّها موضع اليسر ، ثم سمّيت السهام ميسرا للمجاورة» واليسر : الذي يدخل في الضرب بالقداح ، ويجمع على أيسار ، وقيل ، بل «يسّر» جمع ياسر كحارس وحرّس وأحراس.
وللميسر كيفية ، ولسهامه ـ وتسمّى القداح والأزلام أيضا ـ أسماء لا بدّ من ذكرها لتوقّف المعنى عليها. فالكيفية أنّ لهم عشرة أقداح وقيل أحد عشر ، لسبعة منها حظوظ ، وعلى كل منها خطوط ، فالخطّ يقدّر الحظّ ، وتلك القداح هي : الفذّ وله سهم واحد ، والتّوأم وله اثنان ، والرقيب وله ثلاثة ، والحلس وله أربعة ، والنافس وله خمسة ، والمسبل وله ستة ، والمعلّى وله سبعة ، وثلاثة أغفال لا خطوط عليها وهي المنيح والسّفيح والوغد ، ومن زاد رابعا سمّاه المضعّف. وإنما كثروا بهذه الأغفال ليختلط على الحرضة وهو الضارب ، فلا يميل مع أحد ، وهو رجل عدل عندهم ، فيجثو ويلتحف بثوب ، ويخرج رأسه ، فيجعل تلك القداح في الرّبابة وهي الخريطة ، ثم يخلخلها ويدخل يده فيها ، ويخرج باسم رجل رجل قدحا فمن خرج على اسمه قدح : فإن كان من ذوات السهام فاز بذلك النصيب وأخذه ، وإن كان من الأغفال غرّم من الجزور ، وكانوا يفعلون هذا في الشّتوة وضيق العيش ، ويقسّمونه على الفقراء ولا يأكلون منه شيئا ، ويفتخرون بذلك ، ويسمون من لم يدخل معهم فيه : البرم ، والجزور تقسم عند الجمهور على عدد القداح فتقسم عشرة أجزاء ، وعند الأصمعي على عدد خطوط القداح ، فتقسم على ثمانية وعشرين جزءا. وخطّأ ابن عطية الأصمعيّ في ذلك ، وهذا عجيب منه ، لأنه يحتمل أنّ العرب كانت تقسّمها مرة على عشرة ومرة على ثمانية وعشرين.
وقوله : (عَنِ الْخَمْرِ) لا بد من حذف مضاف ، إذ السؤال عن ذاتي الخمر والميسر غير مراد. والتقدير : عن حكم الخمر والميسر حلّا وحرمة ، ولذلك جاء الجواب مناسبا لهذا المقدّر.
قوله : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) الجارّ خبر مقدم ، و «إثم» مبتدأ مؤخر ، وتقديم الخبر هنا ليس بواجب وإن كان المبتدأ نكرة ، لأنّ هنا مسوغا آخر ، وهو الوصف أو العطف ، ولا بد من حذف مضاف أيضا ، أي : في تعاطيهما إثم ، لأنّ الإثم ليس في ذاتهما.
وقرأ حمزة والكسائي : «كثير» بالثاء المثلثة ، والباقون بالباء ثانية الحروف. ووجه قراءة الجمهور واضح ، وهو أن الإثم يوصف بالكبر ، ومنه آية (حُوباً كَبِيراً)(١). وسمّيت الموبقات : «الكبائر» ، ومنه قوله تعالى : (يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) ، وشرب الخمر والقمار من الكبائر ، فناسب وصف إثمهما بالكبر ، وقد أجمعت السبعة على قوله : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ) بالباء الموحّدة ، وهذه توافقها لفظا.
__________________
(١) سورة النساء ، آية (٢).