وقيل : الضمير في «منه» عائد على سبيل الله ، والأول أظهر و «منه» متعلّق بالمصدر.
قوله : «أكبر» فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر عن الثلاثة ، أعني : صدا وكفرا وإخراجا كما تقدّم ، وفيه حينئذ احتمالان :
أحدهما : أن يكون خبرا عن المجموع.
والاحتمال الآخر أن يكون خبرا عنها باعتبار كلّ واحد ، كما تقول : «زيد وبكر وعمرو أفضل من خالد» أي : كلّ واحد منهم على انفراده أفضل من خالد. وهذا هو الظاهر. وإنما أفرد الخبر لأنه أفضل من تقديره : أكبر من القتال في الشهر الحرام. وإنّما حذف لدلالة المعنى.
الثاني من الوجهين في «أكبر» : أن يكون خبرا عن الأخير ، ويكون خبر «وصد» و «كفر» محذوفا لدلالة خبر الثالث عليه تقديره : وصد وكفر أكبر. قال أبو البقاء في هذا الوجه : «ويجب أن يكون المحذوف على هذا «أكبر» لا «كبير» كما قدّره بعضهم ؛ لأن ذلك يوجب أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر ، وليس كذلك. وفيما قاله أبو البقاء نظر ؛ لأن هذا القائل يقول : حذف خبر «وصد» و «كفر» لدلالة خبر «قتال» عليه أي : القتال في الشهر الحرام كبير ، والصد والكفر كبيران أيضا ، وإخراج أهل المسجد أكبر من القتال في الشهر الحرام. ولا يلزم من ذلك أن يكون أكبر من مجموع ما تقدّم حتى يلزم ما قاله من المحذور.
قوله : (عِنْدَ اللهِ) متعلّق ب «أكبر» ، والعندية هنا مجاز لما عرف. وصرح هنا بالمفضول في قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ؛ لأنه لا دلالة عليه لو حذف ، بخلاف الذي قبله حيث حذف. قوله : (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ) حتى حرف جر ، ومعناها يحتمل وجهين :
أحدهما : الغاية.
والثاني : التعليل بمعنى كي ، والتعليل أحسن لأن فيه ذكر الحامل لهم على الفعل ، والغاية ليس فيها ذلك ، ولذلك لم يذكر الزمخشري غير كونها للتعليل قال : «وحتى» معناها التعليل كقولك : فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة» أي : «يقاتلونكم كي يردّكم». ولم يذكر ابن عطية غير كونها غاية قال : «ويردّوكم» نصب ب «حتى» لأنها غاية مجردة» وظاهر قوله : «منصوب بحتى» أنه لا يضمر «أن» لكنه لا يريد ذلك وإن كان بعضهم يقول بذلك. والفعل بعدها منصوب بإضمار أن وجوبا.
و «يزالون» مضارع زال الناقصة التي ترفع الاسم وتنصب الخبر ، ولا تعمل إلا بشرط أن يتقدّمها نفي أو نهي أو دعاء ، وقد يحذف النافي باطّراد إذا كان الفعل مضارعا في جواب قسم وإلّا فسماعا ، وأحكامها في كتب النحو ، ووزنها فعل بكسر العين ، وهي من ذوات الياء بدليل ما حكى الكسائي في مضارعها : يزيل ، وإن كان الأكثر يزال ، فأمّا زال التامة فوزنها فعل بالفتح ، وهي من ذوات الواو لقولهم في مضارعها يزول ، ومعناها التحول. و «عن دينكم» متعلق «بيردوكم» وقوله : «إن استطاعوا» شرط جوابه محذوف للدلالة عليه أي : إن استطاعوا ذلك فلا يزالون يقاتلونكم ، ومن رأى جواز تقديم الجواب جعل «لا يزالون» جوابا مقدما ، وقد تقدّم الردّ عليه بأنه كان ينبغي أن تجب الفاء في قولهم : «أنت ظالم إن فعلت».