قوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) فجعل : «ولها كتاب» صفة لقرية ، قال : «وكان القياس
ألّا تتوسّط هذه الواو بينهما كقوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) وإنما توسّطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف ، ما يقال في
الحال : «جاءني زيد عليه ثوب ، وعليه ثوب». وهذا الذي أجازه أبو البقاء هنا
والزمخشري هناك هو رأي ابن جني ، وسائر النّحويين يخالفونه.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ
عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ
يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢١٧)
قوله تعالى : (قِتالٍ فِيهِ)
: قراءة الجمهور
: «قتال» بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه
خفض على البدل من «الشهر» بدل الاشتمال ؛ إذ القتال واقع فيه فهو مشتمل عليه.
والثاني : أنه
خفض على التكرير ، قال أبو البقاء : «يريد أنّ التقدير : «عن قتال فيه». وهو معنى
قول الفراء ، لأنه قال : «هو مخفوض ب «عن» مضمرة. وهذا ضعيف جدا ، لأنّ حرف الجر
لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار». وهذا لا ينبغي أن يعدّ خلافا بين البصريين
والكسائي والفراء ، لأنّ البدل عند جمهور البصريين على نيّة تكرار العامل ، وهذا
هو بعينه قول الكسائي. وقوله : لأنّ حرف الجرّ لا يبقى عمله بعد حذفه» إن أراد في
غير البدل فمسلّم ، وإن أراد في البدل فممنوع ، وهذا هو الذي عناه الكسائي.
الثالث : قاله
أبو عبيدة : «أنه خفض على الجوار». قال أبو البقاء : «هو أبعد من قولهما ـ يعني
الكسائيّ والفراء ـ لأنّ الجوار من مواضع الضرورة أو الشذوذ فلا يحمل عليه ما وجدت
عنه مندوحة». وقال ابن عطية : «وهو خطأ».
قال الشيخ : «إن كان أبو عبيدة عنى بالجوار المصطلح عليه فهو خطأ.
وجهة الخطإ أنّ الخفض على الجوار عبارة عن أن يكون الشيء تابعا لمرفوع أو منصوب من
حيث اللفظ والمعنى فيعدل به عن تبعيّته لمتبوعه لفظا ، ويخفض لمجاورته لمخفوض.
كقولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» بجرّ «خرب» ، وكان من حقّه الرفع ؛ لأنه من صفات الجحر
لا من صفات الضبّ ، ولهذه المسألة مزيد بيان يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ، و
«قتال» هنا ليس تابعا لمرفوع أو منصوب وجاور مخفوضا فخفض. وإن كان عنى أنه تابع
لمخفوض فخفضه بكونه جاور مخفوضا ، أي صار تابعا له ، لم يكن خطأ ، إلا أنه أغمض في
عبارته فالتبس بالمصطلح عليه.
وقرأ ابن عباس
والأعمش : «عن قتال» بإظهار «عن» وهي في مصحف عبد الله كذلك ، وقرأ عكرمة : «قتل
فيه ، قل قتل فيه» بغير ألف.
__________________