وقرئ شاذا : «قتال فيه» بالرفع (١) ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ والجارّ والمجرور بعده خبر ، وسوّغ الابتداء به وهو نكرة أنه على نية همزة الاستفهام ، تقديره : أقتال فيه.
والثاني : أنه مرفوع باسم فاعل تقديره : أجائز قتال فيه ، فهو فاعل به. وعبّر أبو البقاء في هذا الوجه بأن يكون خبر مبتدإ محذوف ، فجاء رفعه من ثلاثة أوجه : إمّا مبتدأ وإمّا فاعل وإمّا خبر مبتدإ. قالوا : ويظهر هذا من حيث إنّ سؤالهم لم يكن عن كينونة القتال في الشهر أم لا ، وإنما اكان سؤالهم : هل يجوز القتال فيه أو لا؟ وعلى كلا هذين الوجهين فهذه الجملة المستفهم عنها في محلّ جر بدلا من الشهر الحرام ، لأنّ «سأل» قد أخذ مفعوليه فلا تكون هي المفعول وإن كانت محطّ السؤال.
وقوله : «فيه» على قراءة خفض «قتال» فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ خفض لأنه صفة ل «قتال».
والثاني : أنه في محلّ نصب لتعلّقه بقتال. لكونه مصدرا. وقال أبو البقاء : «كما يتعلّق بقاتل» ولا حاجة إلى هذا التشبيه ، فإنّ المصدر عامل بالحمل على الفعل. والضمير في «يسألونك» قيل للمشركين ، وقيل للمؤمنين. والألف واللام في «الشهر» قيل : للعهد وهو رجب ، وقيل : للجنس فيعمّ جميع الأشهر الحرم.
قوله : (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) جملة من مبتدإ وخبر ، محلّها النصب بقل ، وجاز الابتداء بالنكرة لأحد وجهين : إمّا الوصف ، إذا جعلنا قوله «فيه» صفة له وإمّا التخصيص بالعمل إذا جعلناه متعلقا بقتال ، كما تقدّم في نظيره. فإن قيل : قد تقدّم لفظ نكرة وأعيدت من غير دخول ألف ولام عليها وكان حقّها ذلك ، كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٢) فقال أبو البقاء : «ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسؤول عنه حتى يعاد بالألف واللام ، بل المراد تعظيم أيّ قتال كان ، فعلى هذا «قتال» الثاني غير الأول» ، وهذا غير واضح ؛ لأنّ الألف واللام في الاسم المعاد أولا لا تفيد تعظيما ، بل إنما تفيد العهد في الاسم السابق. والحسن منه قول بعضهم (٣) : «إنّ الثاني غير الأول ، وذلك أنّ سؤالهم عن قتال عبد الله بن جحش ، وكان لنصرة الإسلام وخذلان الكفر فليس من الكبائر ، بل الذي من الكبائر قتال غير هذا ، وهو ما كان فيه إذلال الإسلام ونصرة الكفر ، فاختير التنكير في هذين اللفظين لهذه الدقيقة ، ولو جيء بهما معرفتين أو بأحدهما معرّفا لبطلت هذه الفائدة».
قوله : (وَصَدٌّ) فيه وجهان :
أحدهما مبتدأ وما بعده عطف عليه ، و «أكبر» خبر عن الجميع. وجاز الابتداء بصدّ لأحد ثلاثة أوجه : إمّا لتخصيصه بالوصف بقوله : «عن سبيل الله» وإمّا لتعلّقه به ، وإمّا لكونه معطوفا ، والعطف من المسوّغات.
والثاني : أنه عطف على «كبير» أي : قتال فيه كبير وصدّ ، قاله الفراء. قال ابن عطية : «وهو خطأ لأنّ المعنى
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٣ / ١٤٥).
(٢) سورة المزمل ، الآيتان (١٥ ـ ١٦).
(٣) انظر البحر المحيط (٢ / ١٤٦).