قوله : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا) «عسى» فعل ماض نقل إلى إنشاء الترجّي والإشفاق. وهو يرفع الاسم وينصب الخبر ، ولا يكون خبرها إلا فعلا مضارعا مقرونا ب «أن». وقد يجيء اسما صريحا كقوله :
٩٣٠ ـ أكثرت في العذل ملحّا دائما |
|
لا تكثرن إنّي عسيت صائما (١) |
وقالت الزبّاء : «عسى الغوير أبؤسا» (٢) وقد يتجرّد خبرها من «أن» كقوله :
٩٣١ ـ عسى فرج يأتي به الله إنّه |
|
له كلّ يوم في خليقته أمر (٣) |
وقال آخر :
٩٣٢ ـ عسى الكرب الّذي أمسيت فيه |
|
يكون وراءه فرج قريب (٤) |
وقال آخر :
٩٣٣ ـ فأمّا كيّس فنجا ولكن |
|
عسى يغترّ بي حمق لئيم (٥) |
وتكون تامة إذا أسندت إلى «أن» أو «أنّ» ، لأنهما يسدّان مسدّ اسمها وخبرها ، والأصحّ أنها فعل لا حرف ، لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها ، ووزنها «فعل» بفتح العين ، ويجوز كسر عينها إذا أسندت لضمير متكلم أو مخاطب أو نون إناث ، وهي قراءة نافع (٦) ، وستأتي. ولا تنصرّف بل تلزم المضيّ. والفرق بين الإشفاق والترجّي بها في المعنى : أنّ الترجّي في المحبوبات والإشفاق في المكروهات. و «عسى» من الله تعالى واجبة ؛ لأنّ الترجّي والإشفاق محالان في حقّه. وقيل : كلّ «عسى» في القرآن للتحقيق ، يعنون الوقوع ، إلا قوله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ)(٧) ، وهي في هذه الآية ليست ناقصة فتحتاج إلى خبر بل تامة ، لأنها أسندت إلى «أن» ، وقد تقدّم أنها تسدّ مسدّ الخبرين بعدها. وزعم الحوفي أن «أن تكرهوا» في محلّ نصب ، ولا يمكن ذلك إلا بتكلّف بعيد.
قوله : (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها في محلّ نصب على الحال وإن كانت الحال من النكرة بغير شرط من الشروط المعروفة قليلة.
والثاني : أن تكون في محلّ نصب على أنها صفة ل «شيئا» ، وإنما دخلت الواو على الجملة الواقعة لأنّ صورتها صورة الحال ، فكما تدخل الواو عليها حالية تدخل عليها صفة ، قاله أبو البقاء. ومثل ذلك ما أجازه الزمخشري في
__________________
(١) البيت لرؤبة انظر ملحق ديوانه (١٨٥) ، أمالي ابن الشجري (١ / ١٦٤) ، الهمع (١ / ١٣٠) ، الخصائص (١ / ٩٨) ، الدرر (١ / ١٠٧).
(٢) انظر المجمع (٢ / ٣٤١) ، (٢٤٣٥) ، الغوير : تصغير غار والأبؤس : جمع بؤس وهو الشدة وأصل هذا المثل فيما يقال من قول الزبّاء حين قالت لقومها عند رجوع قيصر من العراق ومعه الرجال وبات بالغوير على طريقه : «عسى الغوير أبؤسا» أي لعل الشر يأتيكم من قبل الغار.
(٣) البيت في الهمع (١ / ١٣١) ، شرح ابن عقيل (١ / ٥٢٠) ، الدرر (١ / ١٠٩).
(٤) البيت لهدبة بن الخشرم العذري وكان من رواة الحطيئة وهو من شواهد الكتاب (١ / ١٥٩) ، الخزانة (٤ / ٨١) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ١١٧) ، الأشموني (١ / ٢٦٠) ، العيني (٢ / ١٨٤) ، الدرر (١ / ١٠٦) ، الهمع (١ / ١٣٠).
(٥) البيت من شواهد الكتاب (١ / ١٥٩) ، الخزانة (٤ / ٨٢) ، المحتسب (١ / ١١٩) ، الكيس : العقل والدهاء ، والوصف «كيس» والحمق : الأحمق.
(٦) سورة البقرة ، آية (٢٤٦).
(٧) سورة التحريم ، آية (٥).