بمحذوف : إمّا مفرد وإمّا جملة على حسب ما ذكر من الخلاف فيما مضى. وتكون الجملة في محلّ جزم بجواب الشرط.
والثاني : أن تكون «ما» موصولة ، و «أنفقتم» صلتها ، والعائد محذوف لاستكمال الشروط ، أي : الذي أنفقتموه. والفاء زائدة في الخبر الذي هو الجارّ والمجرور. قال أبو البقاء في هذا الوجه : «ومن خير يكون حالا من العائد المحذوف».
وهم إنما سألوا عن المنفق ، فكيف أجيبوا ببيان المصرف للمنفق عليه؟ فيه أجوبة منها : أنّ في الآية حذفا وهو المنفق عليه فحذف ، تقديره : ماذا ينفقون ولمن يعطونه ، فجاء الجواب عنهما ، فأجاب عن المنفق بقوله : «من خير» وعن المنفق عليه بقوله : «فللوالدين» وما بعده. ومنها : أن يكون «ماذا» سؤالا عن المصرف على حذف مضاف ، تقديره : مصرف ما ذا ينفقون؟ ومنها : أن يكون حذف من الأول ذكر المصرف ومن الثاني ذكر المنفق ، وكلاهما مراد ، وقد تقدّم شيء من ذلك في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ)(١). وقال الزمخشري : قد تضمّن قوله : (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) بيان ما ينفقونه ، وهو كلّ خير ؛ وبني الكلام على ما هو أهمّ وهو بيان المصرف ، لأنّ النفقة لا يعتدّ بها إلا أن تقع موقعها. قال :
٩٢٩ ـ إنّ الصّنيعة لا تكون صنيعة |
|
حتّى يصاب بها طريق المصنع» (٢) |
وأمّا قوله : (وَما تَفْعَلُوا) ف «ما» شرطية فقط لظهور عملها الجزم بخلاف الأولى. وقرأ علي رضي الله عنه : «وما يفعلوا» بالياء على الغيبة ، فيحتمل أن يكون من باب الالتفات من الخطاب ، وأن يكون من الإضمار لدلالة السياق عليه ، أي : وما يفعل الناس.
وقرئ : «كتب عليكم القتال» : ببناء «كتب» للفاعل (٣) وهو ضمير الله تعالى ونصب «القتال».
قوله : (وَهُوَ كُرْهٌ) هذه واو الحال ، والجملة بعدها في محلّ نصب عليها والظاهر أنّ «هو» عائد على القتال. وقيل : يعود على المصدر المفهوم من كتب ، أي : وكتبه وفرضه. وقرأ الجمهور «كره» بضمّ الكاف ، وقرأ السلميّ بفتحها. فقيل : هما بمعنى واحد ، أي : مصدران كالضّعف والضّعف ، قاله الزجاج وتبعه الزمخشري. وقيل : المضموم اسم مفعول والمفتوح المصدر. وقيل : المفتوح بمعنى الإكراه ، قاله الزمخشري في توجيه قراءة السّلمي ، إلا أنّ هذا من باب مجيء المصدر على حذف الزوائد وهو لا ينقاس. وقيل : المفتوح ما أكره عليه المرء ، والمضموم ما كرهه هو.
فإن كان «الكره» و «الكره» مصدرا فلا بدّ من تأويل يجوز معه الإخبار به عن «هو» ، وذلك التأويل : إمّا على حذف مضاف ، أي : والقتال ذو كره ، أو على المبالغة ، أو على وقوعه موقع اسم المفعول. وإن قلنا : إنّ «كرها» بالضم اسم مفعول فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. و «لكم» في محل رفع ، لأنه صفة لكره ، فيتعلّق بمحذوف أي : كره كائن.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (١٧١).
(٢) البيت ذكره ابن منظور في اللسان م «صنع».
(٣) انظر البحر المحيط (٢ / ١٤٣).