البقاء : «وعلى قول الأخفش موضعه نصب على الظرف و «نصر» مرفوع به». و «متى» ظرف زمان لا يتصرّف إلا بجرّه بحرف. وهو مبنيّ لتضمّنه : إما لمعنى همزة الاستفهام وإمّا معنى «من» الشرطية ، فإنه يكون اسم استفهام ، ويكون اسم شرط فيجزم فعلين شرطا وجزاء.
والظاهر أنّ جملة «متى نصر الله» من قول المؤمنين ، وجملة «ألا إنّ نصر الله قريب» من قول الرسول ، فنسب القول إلى الجميع إجمالا ، ودلالة الحال مبيّنة للتفصيل المذكور. وهذا أولى من قول من زعم أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : حتى يقول الذين آمنوا «متى نصر الله» فيقول الرسول «ألا إنّ» ، فقدّم الرسول لمكانته ، وقدّم المؤمنون لتقدّمهم في الزمان. قال ابن عطية : «هذا تحكّم وحمل الكلام على غير وجهه» وهو كما قال. وقيل : الجملتان من قول الرسول والمؤمنين معا ، يعني أن الرسول قالهما معا ، وكذلك أتباعه قالوهما معا ، وقول الرسول «متى نصر الله» ليس على سبيل الشّكّ ، إنما هو على سبيل الدعاء باستعجال النصر. وقيل : إنّ الجملة الأولى من كلام الرسول وأتباعه ، والجملة الأخيرة من كلام الله تعالى ، أجابهم بما سألوه الرسل واستبطأه الأتباع. فالحاصل أن الجملتين في محل نصب بالقول.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢١٦)
قوله تعالى : (ما ذا يُنْفِقُونَ) : قد تقدّم أنّ «ماذا» له ستة استعمالات وتحقيق القول فيه عند قوله : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا)(١). وهنا يجوز أن تكون «ماذا» بمنزلة اسم واحد بمعنى الاستفهام فتكون مفعولا مقدّما ، ويجوز أن تكون «ما» مبتدأ و «ذا» خبره ، وهو موصول. و «ينفقون» صلته والعائد محذوف ، و «ماذا» معلّق للسؤال فهو في موضع المفعول الثاني ، وقد تقدّم تحقيقه في قوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ)(٢) ، وجاء «ينفقون» بلفظ الغيبة ؛ لأنّ فاعل الفعل قبله ضمير غيبة في «يسألونك» ، ويجوز في الكلام «ماذا ننفق» كما يجوز : أقسم زيد ليضربنّ ولأضربنّ ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ)(٣) في المائدة.
قوله : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) يجوز في «ما» وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطية ، وهو الظاهر لتوافق ما بعدها ، ف «ما» في محلّ نصب مفعول مقدّم واجب التقديم ، لأنّ له صدر الكلام. و «أنفقتم» في محلّ جزم بالشرط ، و «من خير» تقدّم إعرابه في قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ)(٤).
وقوله : (فَلِلْوالِدَيْنِ) جواب الشرط ، وهذا الجارّ خبر لمبتدإ محذوف أي : فمصرفه للوالدين ، فيتعلّق
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٦).
(٢) سورة البقرة ، آية (٢١١).
(٣) سورة المائدة ، آية (٤).
(٤) سورة البقرة ، آية (١٠٦).