قال الشيخ (١) : «هذا المثال ليس مطابقا للحال من شيئين لأنّ لفظ «تحمله» لا يحتمل شيئين ، ولا تقع الحال من شيئين إلا إذا كان اللفظ يحتملهما ، واعتبار ذلك بجعل ذوي الحال مبتدأين ، وجعل تلك الحال خبرا عنهما ، فمتى صحّ ذلك صحّت الحال نحو :
٩١٣ ـ وعلّقت سلمى وهي ذات موصّد |
|
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم (٢) |
صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا |
|
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم |
فصغيرين حال من فاعل «علّقت» ومن «سلمى» لأنك لو قلت : أنا وسلمى صغيران لصحّ ، ومثله قول امرئ القيس :
٩١٤ ـ خرجت بها نمشي تجرّ وراءنا |
|
على أثرينا ذيل مرط مرحّل (٣) |
فنمشي حال من فاعل «خرجت» ومن «ها» في «بها» ، لأنّك لو قلت : «أنا وهي نمشي» لصحّ ، ولذلك أعرب المعربون «نمشي» حالا منهما كما تقدّم ، و «تجرّ» حالا من «ها» في «بها» فقط ، لأنه لا يصلح أن تجعل «تجرّ» خبرا عنهما ، لو قلت : «أنا وهي تجرّ» لم يصحّ فكذلك يتقدّر بمفرد وهو «جارّة» وأنت لو أخبرت به عن اثنين لم يصحّ فكذلك «تحمله» لا يصلح أن يكون خبرا عن اثنين ، فلا يصحّ أن يكون حالا منهما ، وأمّا «كافة» فإنها بمعنى «جميع» ، و «جميع» يصحّ فيها ذلك ، لا يقال : «كافة» لا يصحّ وقوعها خبرا لو قلت : «الزيدون والعمرون كافة» لم يجز ، فلذلك لا تقع حالا على ما قرّرت ؛ لأنّ ذلك إنما هو بسبب التزام نصب «كافة» على الحال ، وأنها لا تتصرّف لا من مانع معنوي ، بدليل أنّ مرادفها وهو «جميع» و «كل» يخبر به ، فالعارض المانع ل «كافّة» من التصرّف لا يضرّ ، وقوله : «الجماعة التي تكفّ مخالفيها» يعني أنّها في الأصل كذلك ، ثم صار استعمالها بمعنى جميع وكل».
واعلم أنّ أصل «كافة» اسم فاعل من كفّ يكفّ أي منع ، ومنه : «كفّ الإنسان» ، لأنها تمنع ما يقتضيه ، و «كفّة الميزان» لجمعها الموزون ، والكفّة بالضم لكل مستطيل ، وبالكسر لكلّ مستدير. وقيل : «كافة» مصدر كالعاقبة والعافية. وكافة وقاطبة ممّا لزم نصبهما على الحال فإخراجهما عن ذلك لحن.
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠)
والجمهور على (زَلَلْتُمْ) : بفتح العين ، وأبو السّمّال قرأها بالكسر ، وهما لغتان كضللت وضللت. و «ما» في «من بعدما» مصدريّة ، و «من» لابتداء الغاية ، وهي متعلّقة ب «زللتم».
قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ) : «هل» لفظه استفهام والمراد به النفي كقوله :
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ١٢١).
(٢) البيتان لقيس بن الملوح انظر ديوانه (٢٣٨) ، الخزانة (٢ / ١٧١) ، البحر المحيط (٢ / ١٢١).
(٣) انظر ديوانه (١٤) ، شرح القصائد العشر (٨٥) ، الدرر (١ / ٢٠١).