رَحِيمٌ) أي : المغفرة لمن اتقى. وقيل : التقدير : السلامة لمن
اتقى. وقيل : التقدير : ذلك التخيير ونفي الإثم عن المستعجل والمتأخر لأجل الحاجّ
المتّقي ، لئلا يتخالج في قلبه شيء منهما فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه إثما في
الإقدام عليه ، لأنّ ذا التقوى حذر متحرز من كلّ ما يريبه. وقيل : التقدير : ذلك
الذي مرّ ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى ، لأنه هو المنتفع به دون من سواه ،
كقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ). قال هذين التقديرين الزمخشري. وقال أبو البقاء : «تقديره
: جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى». وكلّها أقوال متقاربة. ويجوز أن يكون «لمن
اتقى» في محلّ نصب على أن اللام لام التعليل ، ويتعلّق بقوله «فلا إثم عليه» أي :
انتقى الإثم لأجل المتّقي. ومفعول : اتّقى» محذوف ، أي : اتّقى الله ، وقد جاء
مصرّحا به في مصحف عبد الله وقيل : اتقى الصيد.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي
قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ)(٢٠٤)
قوله تعالى : (مَنْ يُعْجِبُكَ)
: «من» يجوز أن تكون موصولة ، وأن تكون نكرة موصوفة ، وقد
تقدّم نظيرها أول السورة فينظر هناك . والإعجاب : استحسان الشيء والميل إليه والتعظيم له.
والهمزة فيه للتعدي. وقال الراغب : «العجب حيرة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء
، وليس هو شيئا له في ذاته حالة. بل هو بحسب الإضافات إلى من يعرف السبب ومن لا
يعرفه ، وحقيقة أعجبني كذا : ظهر لي ظهورا لم أعرف سببه». انتهى. ويقال : عجبت من
كذا ، قال :
٨٩٧ ـ عجبت
والدّهر كثير عجبه
|
|
من عنزيّ
سبّني لم أضربه
|
قوله : (فِي الْحَياةِ) فيه وجهان :
أحدهما أن
يتعلّق ب «قوله» ، أي : يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا ، لأنّ ادّعاءه المحبة
بالباطل يطلب حظا من الدنيا.
والثاني : أن
يتعلّق ب «يعجبك» أي : قوله حلو فصيح في الدنيا فهو يعجبك ولا يعجبك في الآخرة ،
لما يرهقه في الموقف من الحبسة واللّكنة ، أو لأنه لا يؤذن لهم في الكلام.
قال الشيخ : «والذي يظهر أنه متعلق بيعجبك ، لا على المعنى الذي
قاله الزمخشري ، بل على معنى أنك تستحسن مقالته دائما في مدة حياته إذ لا يصدر منه
من القول إلا ما هو معجب رائق لطيف ، فمقالته في الظاهر معجبة دائما ، لا تراه
يعدل عن ذلك المقالة الحسنة الرائعة إلى مقالة خشنة منافية».
قوله : (وَيُشْهِدُ اللهَ) في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها
عطف على «يعجبك» ، فهي صلة لا محلّ لها من الإعراب أو صفة ، فتكون في محلّ رفع
__________________