والثاني : أنها موصولة فلا محلّ لتعجّل لوقوعه صلة ، ولفظه ماض ومعناه يحتمل المضيّ والاستقبال ؛ لأنّ كلّ ما وقع صلة فهذا حكمه. والفاء في «فلا» زائدة في الخبر ، وهي وما بعدها في محلّ رفع خبرا للمبتدأ. و «في يومين» متعلق بتعجّل ، ولا بد من ارتكاب مجاز لأن الفعل الواقع في الظرف المعدود يستلزم أن يكون واقعا في كلّ من معدوداته ، تقول : «سرت يومين» لا بد وأن يكون السير وقع في الأول والثاني أو بعض الثاني ، وهنا لا يقع التعجيل في اليوم الأول من هذين اليومين بوجه ، ووجه المجاز : إمّا من حيث إنه نسب الواقع في أحدهما واقعا فيها كقوله : (نَسِيا حُوتَهُما)(١) و (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(٢) ، والناسي أحدهما ، وكذلك المخرج من أحدهما ، وإمّا من حيث حذف مضاف أي : في تمام يومين أو كمالهما.
و «تعجّل» يجوز أن يكون بمعنى استعجل ، كتكبّر واستكبر ، أو مطاوعا لعجّل نحو كسرته فتكسّر ، أو بمعنى المجرد ، وهو عجل ، قال الزمخشري : «والمطاوعة أوفق ، لقوله : «ومن تأخّر» ، كما هي كذلك في قوله :
٨٩٦ ـ قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزّلل (٣) |
لأجل قوله : «المتأني». وتعجّل واستعجل يكونان لازمين ومتعديين ، ومتعلّق التعجيل محذوف ، فيجوز أن تقدّره مفعولا صريحا أي : من تعجّل النّفر ، وأن تقدّره مجرورا أي : بالنفر ، حسب استعماله لازما ومتعديا.
وفي هذه الآيات من علم البديع : الطباق ، وهو ذكر الشيء وضدّه في «تعجّل وتأخر» فهو كقوله : (أَضْحَكَ وَأَبْكى) و (أَماتَ وَأَحْيا)(٤) وهذا طباق غريب ، من حيث جعل ضدّ «تعجّل» : «تأخّر» ، وإنما ضدّ «تعجّل» : «تأنّى» وضدّ تأخّر : تقدّم ، ولكنه في «تعجّل» عبّر بالملزوم عن اللازم ، وفي «تأخّر» باللازم عن الملزوم. وفيها من علم البيان : المقابلة اللفظية ، وذلك أن المتأخّر بالنّفر آت بزيادة في العبادة فله زيادة في الأجر على المتعجّل فقال في حقه أيضا : «فلا إثم عليه» ليقابل قوله أولا : «فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه» ، فهو كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٥) (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(٦).
وقرأ الجمهور «فلا إثم» بقطع الهمزة على الأصل ، وقرأ سالم بن عبد الله : «فلا إثم» بوصلها وحذف ألف لا ، ووجهه أنه خفّف الهمزة بين بين فقربت من الساكن فحذفها تشبيها بالألف ، فالتقى ساكنان : ألف لا وثاء «أثم» ، فحذفت ألف «لا» لالتقاء الساكنين. وقال أبو البقاء : «ووجهها أنّه لمّا خلط الاسم ب «لا» حذف الهمزة تشبيها لها بالألف» يعني أنه لمّا ركّبت «لا» مع اسمها صارا كالشيء الواحد ، والهمزة شبيهة الألف ، فكأنه اجتمع ألفان فحذفت الثانية لذلك ، ثم حذفت الألف لما ذكرت لك.
قوله : (لِمَنِ اتَّقى) هذا الجارّ خبر مبتدأ محذوف ، واختلفوا في ذلك المبتدأ حسب اختلافهم في تعلّق هذا الجارّ من جهة المعنى لا الصناعة ، فقيل : يتعلّق من جهة المعنى بقوله : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، فتقدّر له ما يليق به أي : انتفاء الإثم لمن اتّقى. وقيل : متعلّق بقوله : «واذكروا» أي : الذكر لمن اتقى. وقيل : متعلّق بقوله : (غَفُورٌ
__________________
(١) سورة الكهف ، آية (٦١).
(٢) سورة الرحمن ، آية (٢٢).
(٣) البيت للقطامي انظر ديوانه (٢) ، مجالس ثعلب (٢ / ٣٦٩) ، الكشاف (٤ / ٤٧٧).
(٤) سورة النجم ، آية (٤٣).
(٥) سورة الشورى ، آية (٤٠).
(٦) سورة البقرة ، آية (١٩٤).