فيكون نعتا لمصدر في موضع الحال ، أي : اذكروه بالغين في الذّكر.
الرابع : أن يكون منصوبا بإضمار فعل الكون ، قال أبو البقاء : «وعندي أنّ الكلام محمول على المعنى ، والتقدير : أو كونوا أشدّ لله ذكرا منكم لآبائكم ، ودلّ على هذا المعنى قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ) أي : كونوا ذاكريه ، وهذا أسهل من حمله على المجاز» يعني المجاز الذي تقدّم ذكره عن الفارسي وتلميذه.
الخامس : أن يكون «أشدّ» نصبا على الحال من «ذكرا» لأنه لو تأخّر عنه لكان صفة له ، كقوله :
٨٩٥ ـ لميّة موحشا طلل |
|
يلوح كأنّه خلل (١) |
«موحشا» حال من «طلل» ، لأنه في الأصل صفة ، فلما قدّم تعذّر بقاؤه ووجهين لجرّه : «فهذه خمسة أوجه كلّها ضعيفة ، والذي يتبادر إلى الذهن في الآية أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرا يماثل ذكر آبائهم أو أشدّ ، وقد ساغ لنا حمل هذه الآية عليه بوجه ، ذهلوا عنه» ، فذكر ما تقدم. ثم جوّز في «ذكرا» والحالة هذه وجهين :
أحدهما : أن يكون معطوفا على محلّ الكاف في «كذكركم». ثم اعترض على نفسه في هذا الوجه بأنه يلزم منه الفصل بين حرف العطف وهو «أو» وبين المعطوف وهو «ذكرا» بالحال «وهو» أشدّ» ، وقد نصّ النحويون على أن الفصل بينهما لا يجوز إلا بشرطين :
أحدهما : أن يكون حرف العطف أكثر من حرف واحد.
والثاني : أن يكون الفاصل قسما أو ظرفا أو جارا ، وأحد الشرطين موجود وهو الزيادة على حرف والآخر مفقود ، وهو كون الفاصل ليس أحد الثلاثة المتقدمة. ثم أجاب بأن الحال مقدرة بحرف الجر وشبّهه بالظرف فأجريت مجراهما.
والثاني من الوجهين في «ذكرا» أن يكون مصدرا لقوله : «فاذكروا» ويكون قوله : (كَذِكْرِكُمْ) في محلّ نصب على الحال من «ذكرا» لأنها في الأصل صفة له ، فلما قدّمت كانت في محلّ حال ، ويكون «أشدّ» عطفا على هذه الحال ، وتقدير الكلام : فاذكروا الله ذكرا كذكركم ، أي : مشبها ذكركم أو أشدّ ، فيصير نظير : «اضرب مثل ضرب فلان ضربا أو أشد» الأصل : اضرب ضربا مثل ضرب فلان أو أشدّ.
و «ذكرا» تمييز عند غير الشيخ كما تقدّم ، واستشكلوا كونه تمييزا منصوبا وذلك أن أفعل التفضيل يجب أن تضاف إلى ما بعدها إذا كان من جنس ما قبلها نحو : «وجه زيد أحسن وجه» ، «وعلمه أكثر علم» وإن لم يكن من جنس ما قبلها وجب نصبه نحو : «زيد أحسن وجها وخالد أكثر علما». إذا تقرّر ذلك فقوله : «ذكرا» هو من جنس ما قبلها فعلى ما قرّر كان يقتضي جرّه ، فإنه نظير : «اضرب بكرا كضرب عمرو زيدا أو أشدّ ضرب» بالجرّ فقط. والجواب عن هذا الإشكال مأخوذ من الأوجه المتقدمة في النصب والجر المذكورين في «أشدّ» من حيث أن يجعل الذكر ذاكرا مجازا كقولهم : «شعر شاعر» كما قال به الفارسي وصاحبه ، أو يجعل «أشدّ» من صفات الأعيان لا من صفات الإذكار كما قال به الزمخشري ، أو يجعل «أشدّ» حالا من «ذكرا» أو ننصبه بفعل. وهذا كلّه وإن كان مفهوما
__________________
(١) تقدم.