وأنشد ابن الشجري :
٨٨٧ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا |
|
سواها ولا في حبّها متراخيا (١) |
والكلام في هذه الأبيات له موضع غير هذا.
وأمّا من نصب الثلاثة منونة فتخريجها على أن تكون منصوبة على المصدر بأفعال مقدرة من بلفظها ، تقديره :
فلا يرفث رفثا ولا يفسق فسوقا ولا يجادل جدالا ، وحينئذ فلا عمل للا فيما بعدها ، وإنما هي نافية للجمل المقدرة ، و «في الحجّ» متعلّق بأيّ المصادر الثلاثة شئت ، على أن المسألة من التنازع ، ويكون هذا دليلا على تنازع أكثر من عاملين ، وقد يمكن أن يقال : إن هذه «لا» هي التي للتبرئة على مذهب من يرى أنّ اسمها معرب منصوب ، وإنما حذف تنوينه تخفيفا ، فروجع الأصل في هذه القراءة الشاذة كما روجع في قوله :
٨٨٨ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا |
|
............... (٢) |
وقد تقدّم تحرير هذا المذهب.
وأمّا قراءة الفتح في الثلاثة فهي «لا» التي للتبرئة. وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أم بناء؟ قولان ، الثاني للجمهور. وإذا بني معها فهل المجموع منها ومن اسمها في موضع رفع بالابتداء ، وإن كانت عاملة في الاسم النصب على الموضع ولا خبر لها؟ أو ليس المجموع في موضع مبتدأ ، بل «لا» عاملة في الاسم النصب على الموضع وما بعدها خبر ل «لا» ، لأنها أجريت مجرى «أنّ» في نصب الاسم ورفع الخبر؟ قولان ، الأول قول سيبويه ، والثاني قول الأخفش. وعلى هذين المذهبين يترتّب الخلاف في قوله : «في الحج» فعلى مذهب سيبويه يكون في موضع خبر المبتدأ ، وعلى رأي الأخفش يكون في موضع خبر «لا» ، وقد تقدّم ذلك أول الكتاب ، وإنما أعيد بعضه تنبيها عليه.
وأمّا من رفع الأوّلين وفتح الثالث : فالرفع على ما تقدّم ، وكذلك الفتح ، إلا أنه ينبغي أن يتنبّه لشيء : وهو أنّا إذا قلنا بمذهب سيبويه من كون «لا» وما بني معها في موضع المبتدأ يكون «في الحج» خبرا عن الجميع ، إذ ليس فيه إلا عطف مبتدإ على مبتدأ. وأمّا على مذهب الأخفش فلا يجوز أن يكون «في الحج» إلا خبرا للمبتدأين أو خبرا ل «لا». ولا يجوز أن يكون خبرا للكلّ لاختلاف الطالب ، لأنّ المبتدأ يطلبه خبرا له ولا يطلبه خبرا لها.
وإنما قرئ كذلك (٣) ، قال الزمخشري : «لأنهما حملا الأوّلين على معنى النهي ، كأنه قيل : فلا يكوننّ رفث ولا فسوق ، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال ، كأنه قيل : ولا شكّ ولا خلاف في الحج» واستدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله عليهالسلام : «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق» (٤) وأنه لم يذكر الجدال. وهذا الذي ذكره الزمخشري سبقه إليه صاحب هذه القراءة ، إلا أنه أفصح عن مراده ، قال أبو عمرو بن العلاء ـ أحد قارئيها ـ : الرفع بمعنى فلا يكون رفث ولا فسوق ؛ أي شيء يخرج من الحجّ ، ثم ابتدأ النفيّ فقال :
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) انظر الكشاف (١ / ٣٤٧).
(٤) أخرجه البخاري (٣ / ٣٨٢) ، كتاب الحج (١٥٢١) ، ومسلم (٢ / ٩٨٣) ، كتاب الحج (٤٣٨ ـ ١٣٥٠).