يلتزم رفعه أيضا نحو : «ميعادك يوم» والفراء يجيز نصبه مثل البصريين ، وقد نقل عنه أنه منع نصب «أشهر» يعني في الآية لأنها نكرة ، فيكون له في المسألة قولان ، وهذه المسألة بعيدة الأطراف تضمّها كتب النحويين. قال ابن عطية : «ومن قدّر الكلام : الحج في أشهر فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ به أحد» قال الشيخ (١) : «ولا يلزم ذلك ، لأنّ الرفع على جهة الاتساع ، وإن كان أصله الجرّ بفي».
قوله : (فَمَنْ) : «من» يجوز فيها أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة كما تقدّم في نظائرها ، و «فيهن» متعلّق ب «فرض». والضمير في «فيهن» يعود على «أشهر» ، وجيء به كضمير الإناث لما تقدّم من أنّ جمع غير العاقل في القلّة يعامل معاملة جمع الإناث على الأفصح ، فلذلك جاء «فيهنّ» دون «فيها» ، وهذا بخلاف قوله : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)(٢) لأنه هناك جمع كثرة.
قوله : (فَلا رَفَثَ) الفاء : إمّا جواب الشرط ، وإمّا زائدة في الخبر على حسب النحويين المتقدمين. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بتنوين «رفث» و «فسوق» ورفعهما وفتح «جدال» ، والباقون بفتح الثلاثة ، وأبو جعفر ـ ويروى عن عاصم ـ برفع الثلاثة والتنوين ، والعطاردي بنصب الثلاثة والتنوين.
فأمّا قراءة الرفع ففيها وجهان :
أظهرهما : أنّ «لا» ملغاة وما بعدها رفع بالابتداء ، وسوّغ الابتداء بالنكرة تقدّم النفي عليها. و «في الحجّ» خبر المبتدأ الثالث ، وحذف خبر الأول والثاني لدلالة خبر الثالث عليهما ، أو يكون «في الحج» خبر الأول ، وحذف خبر الثاني والثالث لدلالة خبر الأول عليهما ، ويجوز أن يكون «في الحج» خبر الثلاثة. ولا يجوز أن يكون «في الحج» خبر الثاني ، وحذف خبر الأول والثالث لقبح مثل هذا التركيب ، ولتأديته إلى الفصل.
والثاني : أن تكون «لا» عاملة عمل ليس ، ولعملها عملها شروط : تنكير الاسم ، وألّا يتقدّم الخبر ولا ينتقض النفي ، فيكون «رفث» اسمها وما بعده عطف عليه ، «وفي الحجّ» الخبر على حسب ما تقدّم من التقادير فيما قبله. وابن عطية جزم بهذا الوجه ، وهو ضعيف لأنّ إعمال «لا» عمل ليس لم يقم عليه دليل صريح ، وإنما أنشدوا أشياء محتملة ، أنشد سيبويه :
٨٨٤ ـ من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح (٣) |
وأنشد غيره :
٨٨٥ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا |
|
ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٤) |
وقول الآخر :
٨٨٦ ـ أنكرتها بعد أعوام مضين لها |
|
لا الدّار دارا ولا الجيران جيرانا (٥) |
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٨٤).
(٢) سورة التوبة ، آية (٣٦).
(٣) البيت لسعد بن مالك وهو من شواهد الكتاب (١ / ٥٨) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٢٨٢) ، الحماسة (١ / ٢٦٦) ، الهمع (١ / ١٢٥) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ١٠٨) ، رصف المباني (١٦٦) ، الدرر (١ / ٩٧) ، اللسان «برح».
(٤) تقدم.
(٥) البيت في شرح الحماسة (١ / ١٩١) ، الإنصاف (٢ / ٢٦) ، وهو من شواهد البحر (٢ / ٨٨).