يعني أن المقصود الإخبار بالصلاح ، وجيء برجل توطئة ، إذ معلوم أنه رجل. وقال الزجاج : «جمع العددين لجواز أن يظنّ أنّ عليه ثلاثة أو سبعة ؛ لأنّ الواو قد تقوم مقام أو ، ومنه : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(١) فأزال احتمال التخيير ، وهذا إنما يتمشّى عند الكوفيين ، فإنهم يقيمون الواو مقام أو. وقال الزمخشري : «الواو قد تجيء للإباحة في قولك : «جالس الحسن وابن سيرين» ألا ترى أنه لو جالسهما معا أو أحدهما كان ممتثلا ففذلكت نفيا لتوهّم الإباحة».
قال الشيخ (٢) : «وفيه نظر لأنه لا تتوهّم الإباحة ، فإنّ السياق سياق إيجاب ، فهو ينافي الإباحة ، ولا ينافي التخيير ، فإن التخيير يكون في الواجبات ، وقد ذكر النحويون الفرق بين التخيير والإباحة» (٣).
قوله : (ذلِكَ لِمَنْ) «ذلك» مبتدأ ، والجارّ بعده الخبر. وفي اللام قولان :
أحدهما : أنّها على بابها ، أي ذلك لازم لمن.
والثاني : أنها بمعنى على ، كقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ)(٤) ، ولا حاجة إلى ذا. و «من» يجوز أن تكون موصولة وموصوفة. و «حاضري» خبر «يكن» وحذفت نونه للإضافة. و «شديد العقاب» من باب إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها ، وقد تقدّم أن الإضافة لا تكون إلا من نصب ، والنصب والإضافة أبلغ من الرفع ؛ لأن فيها إسناد الصفة للموصوف ثم ذكر من هي له حقيقة ، والرفع إنما فيه إسنادها لمن هي له حقيقة ، دون إسناد إلى موصوف.
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١٩٧)
قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) : «الحجّ» مبتدأ و «أشهر» خبره ، والمبتدأ والخبر لا بد أن يصدقا على ذات واحدة ، و «الحجّ» فعل من الأفعال ، و «أشهر» زمان ، فهما غيران ، فلا بدّ من تأويل ، وفيه ثلاثة احتمالات :
أحدها : أنه على حذف مضاف من الأول ، تقديره : أشهر الحجّ أشهر معلومات.
الثاني : الحذف من الثاني تقديره : الحجّ حجّ أشهر ، فيكون حذف من كلّ واحد ما أثبت نظيره.
الثالث : أن تجعل الحدث نفس الزمان مبالغة ، ووجه المجاز كونه حالا فيه ، فلما اتّسع في الظرف جعل نفس الحدث ، ونظيرها : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٥) وإذا كان ظرف الزمان نكرة مخبرا به عن حدث جاز فيه الرفع والنصب مطلقا ، أي : سواء كان الحدث مستوعبا للظرف أم لا ، هذا مذهب البصريين.
وأمّا الكوفيون فقالوا : إن كان الحدث مستوعبا فالرفع فقط نحو : «الصوم يوم» وإن لم يكن مستوعبا فهشام
__________________
(١) سورة النساء ، آية (٣).
(٢) انظر البحر المحيط (٢ / ٨٠).
(٣) التخيير وهي الواقعة بعد الطلب وقبل ما يمتنع فيه الجمع نحو «تزوج هندا أو أختها» و «خذ من مالي دينارا أو درهما». والإباحة : وهي الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع نحو «جالس العلماء أو الزهاد» و «تعلم الفقه أو النحو». انظر مغني اللبيب (١ / ٦٢).
(٤) سورة البقرة ، آية (١٦١).
(٥) سورة الأحقاف ، آية (١٥).