فعطف «سبعة» على «ثلاثة» وعطف «إذا» على «في الحج».
وفي قوله «رجعتم» شيئان :
أحدهما التفات.
والآخر الحمل على المعنى ، أمّا الالتفات : فإنّ قبله «فمن تمتّع فمن لم يجد» فجاء بضمير الغيبة عائدا على «من» ، فلو سيق هذا على نظم الأول لقيل : «إذا رجع» بضمير الغيبة. وأمّا الحمل : فلأنه أتى بضمير جمع اعتبارا بمعنى «من» ، ولو راعى اللفظ لأفرد ، فقال : «رجع».
وقوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ) مبتدأ وخبر ، والمشار إليه هي السبعة والثلاثة ، ومميّز السبعة والعشرة محذوف للعلم به. وقد أثبت تاء التأنيث في العدد مع حذف التمييز ، وهو أحسن الاستعمالين ، ويجوز إسقاط التاء حينئذ ، وفي الحديث : «وأتبعه بست من شوال» (١) ، وحكى الكسائي : «صمنا من الشهر خمسا».
وفي قوله : «تلك عشرة» ـ مع أن من المعلوم أن الثلاثة والسبعة عشرة ـ أقوال كثيرة لأهل المعاني ، منها قول ابن عرفة : «العرب إذا ذكرت عددين ، فمذهبهم أن يجملوهما» ، وحسّن هذا القول الزمخشري بأنّ قال : «فائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما يعلم تفصيلا ، ليحتاط به من جهتين فيتأكّد العلم ، وفي أمثالهم «علمان خير من علم». قال ابن عرفة : «وإنما تفعل العرب ذلك لأنّها قليلة المعرفة بالحساب ، وقد جاء : «لا نحسب ولا نكتب» (٢) ، وورد ذلك في أشعارهم ، قال النابغة :
٨٨٠ ـ توهّمت آيات لها فعرفتها |
|
لستّة أيّام وذا العام سابع (٣) |
وقال الفرزدق :
٨٨١ ـ ثلاث واثنتان فهنّ خمس |
|
وسادسة تميل إلى شمام (٤) |
وقال الأعشى :
٨٨٢ ـ ثلاث بالغداة فهنّ حسبي |
|
وستّ حين يدركني العشاء (٥) |
فذلك تسعة في اليوم ريّي |
|
وشرب المرء فوق الرّيّ داء |
وقال آخر :
٨٨٣ ـ فسرت إليهم عشرين شهرا |
|
وأربعة فذلك حجّتان (٦) |
وعن المبرد : «فتلك عشرة : ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم فقدّم وأخّر» ، ومثله لا يصحّ عنه. وقال ابن الباذش : «جيء بعشرة توطئة للخبر بعدها ، لا أنها هي الخبر المستقلّ بفائدة الإسناد كما تقول : «زيد رجل صالح»
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٨٢٢) ، كتاب الصيام (٢٠٤ ـ ١١٦٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٥١) ، كتاب الصوم (١٩١٣) ، ومسلم (٢ / ٧٦١) ، كتاب الصيام (١٥ / ١٠٨٠).
(٣) تقدم.
(٤) البيت في ديوانه (٨٣٥) ، المشكل (٢٤٣) ، وهو من شواهد البحر (٢ / ٧٩) ، الموشح (١١٤) ، مجمع البيان (١ / ٢٩١) ، اللسان (٦ / ٢٤٥).
(٥) البيتان من شواهد البحر (٢ / ٧٩).
(٦) البيت ذكره ابن منظور في اللسان م «عشر».