قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) : في هذه الباء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها زائدة في المفعول به لأن «ألقى» يتعدّى بنفسه ، قال تعالى : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ)(١) ، وقال :
٨٧٤ ـ حتى إذا ألقت يدا في كافر |
|
وأجنّ عورات الثغور ظلامها (٢) |
فزيدت الباء في المفعول كما زيدت في قوله :
٨٧٥ ـ وألقى بكفّيه الفتى استكانة |
|
من الجوع وهنا ما يمرّ وما يحلو (٣) |
وهذا قول أبي عبيدة ، وإليه ميل الزمخشري ، قال : «والمعنى : ولا تقبضوا التهلكة أيديكم ؛ أي : لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم» إلا أنه مردود بأنّ زيادة الباء في المفعول لا تنقاس ، إنما جاءت في الضرورة كقوله :
٨٧٦ ـ ............... |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (٤) |
الثاني : أنها متعلقة بالفعل غير زائدة ، والمفعول محذوف ، تقديره : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم ، ويكون معناها السبب كقولك : لا تفسد حالك برأيك.
الثالث : أن يضمّن «ألقى» معنى ما يتعدّى بالباء ، فيعدّى تعديته ، فيكون المفعول به في الحقيقة هو المجرور بالباء تقديره : ولا تفضوا بأيديكم إلى التهلكة ، كقولك : أفضيت بجنبي إلى الأرض أي : طرحته على الأرض ، ويكون قد عبّر بالأيدي عن الأنفس ، لأنّ بها البطش والحركة ، وظاهر كلام أبي البقاء فيما حكاه عن المبرد أن «ألقى» يتعدّى بالباء أصلا من غير تضمين ، فإنه قال : «وقال المبرد : ليست بزائدة بل هي متعلقة بالفعل كمررت بزيد والأولى حمله على ما ذكرت».
والتّهلكة : مصدر بمعنى الهلاك ، يقال : هلك يهلك هلكا وهلاكا وهلكاء على وزن فعلاء ومهلكا ومهلكة مثلث العين وتهلكة. وقال الزمخشري : «ويجوز أن يقال : أصلها التّهلكة بكسر اللام كالتّجربة ، على أنه مصدر من هلّك ـ يعني بتشديد اللام ـ فأبدلت الكسرة ضمة كالجوار والجوار».
وردّ عليه الشيخ (٥) بأنّ فيه حملا على شاذ ودعوى إبدال لا دليل عليها ، وذلك أنه جعله تفعلة بالكسر مصدر فعّل بالتشديد ، ومصدره إذا كان صحيحا غير مهموز على تفعيل ، وتفعلة فيه شاذّ. وأمّا تنظيره له بالجوار والجوار فليس بشيء ، لأن الضمّ فيه شاذّ ، فالأولى أن يقال : إنّ الضمّ أصل غير مبدل من كسر. وقد حكى سيبويه ممّا جاء من المصادر على ذلك التّضرّة والتّسرّة. قال ابن عطية : «وقرأ الخليل التّهلكة بكسر اللام وهي تفعلة من هلّك بتشديد اللام» وهذا يقوّي قول الزمخشري.
__________________
(١) سورة الشعراء ، آية (٤٥).
(٢) البيت للبيد انظر ديوانه (٣١٦) ، وهو من شواهد البحر (٢ / ٧١).
(٣) البيت من شواهد البحر (٢ / ٧١).
(٤) تقدم.
(٥) انظر البحر المحيط (٢ / ٥٩).