وزعم ثعلب أن «تهلكة» لا نظير لها ، وليس كذلك لما حكى سيبويه. ونظيرها من الأعيان على هذا الوزن : التّنفلة والتنصبة.
والمشهور أنه لا فرق بين التّهلكة والهلاك ، وقال قوم : التّهلكة : ما أمكن التحرّز منه ، والهلاك ما لا يمكن. وقيل : هي نفس الشيء المهلك. وقيل : هي ما تضرّ عاقبته. والهمزة في «ألقى» للجعل على صفة نحو : أطردته أي : جعلته طريدا بقوة فيه ليست للتعدية لأنّ الفعل متعدّ قبلها ، فمعنى ألقيت الشيء جعلته لقى فهو فعل بمعنى مفعول ، كما أن الطريد فعيل بمعنى مفعول ، كأنه قيل : لا تجعلوا أنفسكم لقى إلى التهلكة.
قوله تعالى : (وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) : الجمهور على نصب «العمرة» على العطف على ما قبلها و «لله» متعلق بأتمّوا ، واللام لام المفعول من أجله. ويجوز أن تتعلّق بمحذوف على أنها حال من الحج والعمرة ، تقديره : أتمّوها كائنين لله. وقرأ عليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت : «والعمرة» بالرفع على الابتداء. و «لله» الخبر ، على أنها جملة مستأنفة.
قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ) ما موصولة بمعنى الذي ، ويضعف جعلها نكرة موصوفة ، وفيها ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها في محلّ نصب أي : فليهد أو فلينحر ، وهذا مذهب ثعلب.
والثاني : ويعزى للأخفش أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره : فعليه ما استيسر.
والثالث : أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالواجب ما استيسر واستيسر هنا بمعنى يسر المجرد كصعب واستصعب وغني واستغنى ، ويجوز أن يكون بمعنى تفعّل نحو : تكبّر واستكبر ، وتعظّم واستعظم. وقد تقدّم ذلك في أول الكتاب.
والحصر : المنع ، ومنه قيل للملك : الحصير ، لأنه ممنوع من الناس ، وهل حصر وأحصر بمعنى أو بينهما فرق؟ خلاف بين أهل العلم. فقال الفراء والزجاج والشيباني (١) إنهما بمعنى ، يقالان في المرض والعدوّ جميعا وأنشدوا :
٨٧٧ ـ وما هجر ليلى أن تكون تباعدت |
|
عليك ولا أن أحصرتك شغول (٢) |
وفرّق بعضهم ، فقال الزمخشري : يقال : أحصر فلان إذا معه أمر من خوف أو مرض أو عجز ، قال تعالى : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ)(٣) ، وقال ابن ميادة : «وما هجر ليلى أن تكون تباعدت» ، وحصر إذا حبسه عدوّ أو سجن ، هذا هو الأكثر في كلامهم ، وهما بمعنى المنع في كل شيء مثل : صدّه وأصدّه ، وكذلك الفراء والشيباني ، ووافقه ابن عطية أيضا فإنه قال : «والمشهور من اللغة : أحصر بالمرض وحصر بالعدوّ. وعكس ابن فاس في «مجمله» فقال : «حصر بالمرض وأحصر بالعدوّ» وقال ثعلب : «حصر في الحبس أقوى من أحصر» ، ويقال :
__________________
(١) إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفيّ قال الأزهري وكان يعرف بأبي عمرو الأحمر وليس من شيبان ، بل أدّب أولادا منهم فنسب إليهم توفي سنة ٢٥٦ ه البغية (١ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠).
(٢) البيت لابن ميادة ذكره ابن منظور في اللسان حصر ، الكشاف (١ / ٢٣٩).
(٣) سورة البقرة ، آية (٢٧٣).