آخر. والهلال هذا الكوكب المعروف. واختلف اللغويون : إلى متى يسمى هلالا؟ فقال الجمهور : يقال له : هلال لليلتين ، وقيل : لثلاث ، ثم يكون قمرا. وقال أبو الهيثم (١) : «يقال له هلال لليلتين من أول الشهر ولليلتين من آخره وما بينهما قمر». وقال الأصمعي : «يقال له هلال إلى أن يحجّر ، وتحجيره أن يستدير له كالخيط الرقيق» ، ويقال له بدر من الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة ، وقيل : «يسمّى هلالا إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل ، وذلك إنّما يكون في سبع ليال» ، والهلال يكون اسما لهذا الكوكب ، ويكون مصدرا ، يقال : هلّ الشهر هلالا. ويقال : أهلّ الهلال واستهلّ مبنيا للمفعول وأهللناه واستهللناه ، وقيل : يقال : أهلّ واستهلّ مبنيا للفاعل وأنشد :
٨٦٩ ـ وشهر مستهل بعد شهر |
|
وحول بعده حول جديد (٢) |
وسمّي هذا الكوكب هلالا لارتفاع الأصوات عند رؤيته ، وقيل : لأنه من البيان والظهور ، أي : لظهوره وقت رؤيته بعد خفائه ، ولذلك يقال : تهلّل وجهه : ظهر فيه بشر وسرور وإن لم يكن رفع صوته ... ومنه قول تأبّط شرّا :
٨٧٠ ـ وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه |
|
برقت كبرق العارض المتهلّل (٣) |
وقد تقدّم أن الإهلال الصراخ عند قوله : (وَما أُهِلَ لِغَيْرِ اللهِ) به (٤). وفعال المضعّف يطّرد في تكسيره أفعلة كأهلّة ، وشذّ فيه فعل كقولهم : عنن وحجج في : عنان وحجاج.
وقدّر بعضهم مضافا قبل «الأهلّة» أي : عن حكم اختلاف الأهلّة لأن السؤال عن ذاتها غير مفيد ، ولذلك أجيبوا بقوله : «قل هي مواقيت» وقيل : إنهم لمّا سألوا عن شيء قليل الجدوى أجيبوا بما فيه فائدة ، وعدل عن سؤالهم إذ لا فائدة فيه ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير مضاف.
و «للناس» متعلّق بمحذوف ، لأنه صفة ل «مواقيت» أي : مواقيت كائنة للناس. والمواقيت : جمع ميقات ، رجعت الواو إلى أصلها إذ الأصل : موقات من الوقت ، وإنما قلبت ياء لكسر ما قبلها ، فلمّا زال موجبه في الجمع ردّت واوا ، ولا ينصرف لأنه بزنة منتهى الجموع. والميقات منتهى الوقت.
قوله : (وَالْحَجِ) عطف على «الناس» ، قالوا : تقديره : ومواقيت الحجّ ، فحذف الثاني اكتفاء بالأول ، ولمّا كان الحجّ من أعظم ما تطلب مواقيته وأشهره بالأهلّة أفرد بالذّكر ، وكأنه تخصّص بعد تعميم ، إذ قوله : «مواقيت للناس» ليس المعنى لذوات الناس ، بل لا بدّ من مضاف أي : مواقيت لمقاصد الناس المحتاج فيها للتأقيت ، ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس ، بل على المضاف المحذوف الذي ناب «الناس» منابه في الإعراب.
وقرأ الجمهور «الحج» بالفتح في جميع القرآن إلا حمزة والكسائي وحفصا عن عاصم فقرأوا حج البيت (٥) بالكسر ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن ، وهل هما بمعنى واحد أو مختلفان؟ قال سيبويه : «هما مصدران» فالمفتوح كالردّ والشدّ ، والمكسور كالذّكر ، وقيل : بالفتح هو مصدر ، وبالكسر هو اسم.
__________________
(١) أبو الهيثم الرازي كان إماما لغويا أدرك العلماء وأخذ عنهم وتصدر بالرّيّ للإفادة مات سنة ست وسبعين ومائتين انظر البغية (٢ / ٣٢٩).
(٢) البيت من شواهد البحر (٢ / ٥٩) ، وهو في اللسان «هلل».
(٣) البيت لأبي كبير الهذلي انظر ديوان الهذليين (٢ / ٩٤) ، القرطبي (٢ / ٣٤٢).
(٤) سورة البقرة ، آية (١٧٣).
(٥) سورة آل عمران ، آية (٩٧).