النهي عن الالتباس بالشيء ، فلذلك جاءت الآية الكريمة.
وقال هنا : (فَلا تَقْرَبُوها) وفي مواضع أخر : (فَلا تَعْتَدُوها)(١) ومثله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ)(٢) (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)(٣) لأنه غلّب هنا جهة النهي إذ هو المعقّب بقوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) وما كان منهيّا عن فعله كان النهي عن قربانه أبلغ ، وأمّا الآيات الأخر فجاء «فلا تعتدوها» عقب بيان أحكام ذكرت قبل كالطلاق والعدّة والإيلاء والحيض والمواريث ، فناسب أن ينهى عن التّعدّي فيها ، وهو مجاوزة الحدّ الذي حدّه الله فيها.
قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) الكاف في محلّ نصب : إمّا نعتا لمصدر محذوف ، أي : بيانا مثل هذا البيان ، أو حالا من المصدر المحذوف كما هو مذهب سيبويه.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٨٩)
قوله تعالى : (بَيْنَكُمْ) : في هذا الظرف وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق بتأكلوا بمعنى : لا تتناقلوها فيما بينكم بالأكل.
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف لأنه حال من «أموالكم» ، أي : لا تأكلوها كائنة بينكم. وقدّره أبو البقاء أيضا بكائنة بينكم أو دائرة بينكم ، وهو في المعنى كقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ)(٤) ، وفي تقدير «دائرة» ـ وهو كون مقيّد ـ نظر لا يخفى ، إلّا أن يقال : دلّت الحال عليه.
قوله : (بِالْباطِلِ) فيه وجهان :
أحدهما : تعلّقه بالفعل ، أي : لا تأخذوها بالسبب الباطل.
الثاني : أن يكون حالا ، فيتعلّق بمحذوف ، ولكن في صاحبها احتمالان :
أحدهما : أنه المال ، كأن المعنى ، لا تأكلوها ملتبسة بالباطل.
والثاني : أن يكون الضمير في «تأكلوا» كأنّ المعنى : لا تأكلوها مبطلين ، أي : ملتبسين بالباطل.
قوله : (وَتُدْلُوا بِها) في «تدلوا» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مجزوم عطفا على ما قبله ، ويؤيّده قراءة أبيّ : «ولا تدلوا» بإعادة لا الناهية.
والثاني : أنّه منصوب على الصرف ، وقد تقدّم معنى ذلك وأنه مذهب الكوفيين ، وأنه لم يثبت بدليل.
والثالث : أنه منصوب بإضمار أن في جواب النهي ، وهذا مذهب الأخفش ، وجوّزه ابن عطيّة والزمخشري ومكي وأبو البقاء.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٢٩).
(٢) سورة البقرة ، آية (٢٢٩).
(٣) سورة النساء ، آية (١٤).
(٤) سورة البقرة ، آية (٢٨٢).