وقول الآخر :
٨٦٢ ـ فظلنا هنالك في نعمة |
|
وكلّ اللّذاذة غير الرّفث (١) |
ولا دليل فيه لاحتمال إرادة مقدمات الجماع كالمداعبة والقبلة ، وأنشد ابن عباس وهو محرم :
٨٦٣ ـ وهنّ يمشين بنا هميسا |
|
إن يصدق الطّير ننك لميسا (٢) |
فقيل له : رفثت ، فقال : إنما الرّفث عند النساء.
قوله : (كُنْتُمْ تَخْتانُونَ) في محلّ رفع خبر لأنّ. و «تختانون» في محلّ نصب خبر لكان. قال أبو البقاء : «وكنتم هنا لفظها لفظ الماضي ومعناها المضيّ أيضا ، والمعنى : أن الاختيان كان يقع منهم فتاب عليهم منه ، وقيل : إنه أراد الاختيان في الاستقبال ، وذكر «كان» ليحكي بها الحال كما تقول : إن فعلت كنت ظالما» وفي هذا الكلام نظر لا يخفى.
و «تختانون» تفتعلون من الخيانة ، وعين الخيانة واو لقولهم : خان يخون ، وفي الجمع : خونة ، يقال : خان يخون خونا وخيانة ، وهي ضدّ الأمانة ، وتخوّنت الشيء تنقّصته ، قال زهير :
٨٦٤ ـ بآرزة الفقارة لم يخنها |
|
قطاف في الرّكاب ولا خلاء (٣) |
وقال الزمخشري : «والاختيان : من الخيانة كالاكتساب من الكسب ، فيه زيادة وشدّة» يعني من حيث إنّ الزيادة في اللفظ تنبئ عن زيادة في المعنى ، كما قدّمه في قوله الرحمن الرحيم. وقيل هنا : تختانون أنفسكم أي : تتعهدونها بإتيان النساء ، وهذا يكون بمعنى التخويل ، يقال : تخوّنه وتخوّله بالنون واللام ، بمعنى تعهّده ، إلا أنّ النون بدل من اللام ، لأنه باللام أشهر.
و «علم» إن كانت المتعدية لواحد بمعنى عرف ، فتكون «أنّ» وما في حيّزها سادّة مسدّ مفعول واحد ، وإن كانت المتعدية لاثنين كانت سادة مسدّ المفعولين على رأي سيبويه ومسدّ أحدهما ، والآخر محذوف على مذهب الأخفش.
وقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) لا محلّ له من الإعراب ، لأنه بيان للإحلال فهو استئناف وتفسير. وقدّم قوله : «هنّ لباس لكم» على «وأنتم لباس لهنّ» تنبيها على ظهور احتياج الرجل للمرأة وعدم صبره عنها ، ولأنّه هو البادئ بطلب ذلك ، وكنى باللباس عن شدّة المخالطة كقوله ـ هو النابغة الجعدي ـ :
٨٦٥ ـ إذا ما الضّجيع ثنى جيدها |
|
تثنّت عليه فكانت لباسا (٤) |
وفيها أيضا :
٨٦٦ ـ لبست أناسا فأفنيتهم |
|
وأفنيت بعد أناس أناسا (٥) |
__________________
(١) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٨).
(٢) البيت ذكره ابن منظور في اللسان م «رفث» ، الدرر (١ / ١٩٩) ، الكشاف (١ / ٢٣٠).
(٣) البيت في ديوانه (١٥) ، وانظر الخصائص (٢ / ١٥١) ، اللسان «خلاء».
(٤) انظر ديوانه (٨١) ، القرطبي (٢ / ٢١١) ، الكشاف (١ / ٢٣٠) ، مشكل القرآن (١٤٢).
(٥) انظر اللسان م «لبس» ، والقرطبي (٢ / ٢١١) ، تهذيب ـ