تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(١٨٧)
قوله تعالى : (لَيْلَةَ الصِّيامِ) : منصوب على الظرف ، وفي الناصب له ثلاثة أقوال :
أحدها : ـ وهو المشهور عند المعربين ـ أنه «أحلّ» ، وليس بشيء ، لأنّ الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت.
الثاني : أنه مقدر مدلول عليه بلفظ «الرفث» ، تقديره : أحلّ لكم أن ترفثوا ليلة الصيام ، كما خرّجوا قول الشاعر :
٨٥٩ ـ وبعض الحلم عند الجه |
|
ل للذّلّة إذعان (١) |
أي : إذعان للذلة إذعان ، وإنما لم يجز أن ينتصب بالرّفث لأنه مصدر مقدّر بموصول ، ومعمول الصلة لا يتقدّم على الموصول فلذلك احتجنا إلى إضمار عامل من لفظ المذكور.
الثالث : أنه متعلّق بالرفث ، وذلك على رأي من يرى الاتساع في الظروف والمجرورات ، وقد تقدّم تحقيقه. وأضيفت الليلة اتساعا لأنّ شرط صحته وهو النية موجودة فيها ، والإضافة تحصل بأدنى ملابسة ، وإلّا فمن حقّ الظرف المضاف إلى حدث أن يوجد ذلك الحدث في جزء من ذلك الظرف ، والصوم في الليل غير معتبر ، ولكنّ المسوّغ لذلك ما ذكرت لك.
والجمهور على «أحلّ» مبنيا للمفعول للعلم به وهو الله تعالى ، وقرئ مبنيا للفاعل ، وفيه حينئذ احتمالان ، أحدهما : أن يكون من باب الإضمار لفهم المعنى ، أي أحلّ الله ، لأنّ من المعلوم أنه هو المحلّل والمحرّم. والثاني : أن يكون الضمير عائدا على ما عاد عليه من قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وهو المتكلم ، ويكون ذلك التفاتا ، وكذلك في قوله : «لكم» التفات من ضمير الغيبة في : «فليستجيبوا وليؤمنوا» وعدّي «الرفث» بإلى ، وإنما يتعدّى بالباء لما ضمّن من معنى الإفضاء ، كأنه قيل : أحلّ لكم الإفضاء إلى نسائكم بالرّفث.
وقرأ عبد الله «الرّفوث». والرّفث لغة مصدر : رفث يرفث إذا تكلم بالفحش ، وأرفث أتى بالرّفث ، قال العجاج :
٨٦٠ ـ وربّ أسراب حجيج كظّم |
|
عن اللّغا ورفث التّكلّم (٢) |
وقال الزجاج ـ ويروى عن ابن عباس ـ : «إن الرفث كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرجل من المرأة». وقيل : الرفث : الجماع نفسه ، وأنشد :
٨٦١ ـ ويرين من أنس الحديث زوانيا |
|
ولهنّ عن رفث الرجال نفار (٣) |
__________________
(١) البيت للفند الزماني انظر الهمع (٢ / ٩٤) ، أمالي القالي (١ / ٢٦٠) ، الدرر (٢ / ١٢٤).
(٢) انظر ديوانه (٤٥٦) ، الخصائص (١ / ٣٣) ، المحتسب (٢ / ٢٤٧).
(٣) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٧).