والعامل في «إذا» قال الشيخ (١) : «قوله : أجيب» يعني «إذا» الثانية ، فيكون التقدير : أجيب دعوته وقت دعائه ، فيحتمل أن تكون لمجرد الظرفية وأن تكون شرطية ، وحذف جوابها لدلالة «أجيب» عليه ، وحينئذ لا يكون «أجيب» هذا الملفوظ به هو العامل فيها ، بل ذلك المحذوف ، أو يكون هو الجواب عند من يجيز تقديمه على الشرط. وأمّا «إذا» الأولى فإنّ العامل فيها ذلك القول المقدّر. والهاء في «دعوة» ليست الدالّة على المرّة نحو : ضربة وقتلة ، بل التي بني عليها المصدر نحو : رحمة ونجدة ، فلذلك لم تدلّ على الوحدة.
والياءان من قوله : «الداع ـ دعان» من الزوائد عند القرّاء ، ومعنى ذلك أنّ الصحابة لم تثبت لها صورة في المصحف ، فمن القرّاء من أسقطها تبعا للرسم وقفا ووصلا ، ومنهم من يثبتها في الحالين ، ومنهم من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا ، وجملة هذه الزوائد اثنتان وستون ياء ، ومعرفة ذلك محالة على كتب القراءات ، فأثبت أبو عمرو وقالون هاتين الياءين وصلا وحذفا هما وقفا.
قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) في الاستفعال هنا قولان :
أحدهما : أنّه للطلب على بابه ، والمعنى : فليطلبوا إجابتي قاله ثعلب.
والثاني : أنه بمعنى الإفعال ، فيكون استفعل وأفعل بمعنى ، وقد جاءت منه ألفاظ نحو : أقرّ واستقرّ ؛ وأبلّ المريض واستبلّ ، وأحصد الزرع واستحصد ، واستثار الشيء وأثاره ، واستعجله وأعجله ، ومنه استجابه وأجابه ، وإذا كان استفعل بمعنى أفعل فقد جاء متعدّيا بنفسه وبحرف الجرّ ، إلا أنه لم يرد في القرآن إلّا معدّى بحرف الجرّ نحو : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٢) (فَاسْتَجابَ لَهُمْ)(٣) ، ومن تعدّيه بنفسه قوله :
٨٥٨ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٤) |
ولقائل أن يقول : يحتمل هذا البيت أن يكون ممّا حذف منه حرف الجر.
واللام لام الأمر ، وفرّق الرماني بين أجاب واستجاب : بأنّ «استجاب» لا يكون إلا فيما فيه قبول لما دعي إليه نحو : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٥) (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)(٦) ، وأمّا «أجاب» فأعمّ لأنه قد يجيب بالمخالفة ، فجعل بينهما عموما وخصوصا.
والجمهور على «يرشدون» بفتح الياء وضمّ الشين ، وماضيه رشد بالفتح وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بخلاف عنهما بكسر الشين ، وقرئ بفتحها. وماضيه رشد بالكسر ، وقرئ : «يرشدون» مبنيا للمفعول ، وقرئ : «يرشدون» بضم الياء وكسر الشين من أرشد. والمفعول على هذا محذوف تقديره : يرشدون غيرهم.
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٤٦).
(٢) سورة الأنبياء ، آية (٨٤).
(٣) سورة آل عمران ، آية (١٩٥).
(٤) تقدم.
(٥) سورة الأنبياء ، آية (٧٦).
(٦) سورة آل عمران ، آية (١٩٥).