قال الشيخ (١) : «وفيه بعد من وجهين :
أحدهما : حذف العائد تقديره : هداكموه ، وقدّره منصوبا لا مجرورا باللام ولا بإلى ، لأنّ حذف المنصوب أسهل.
والثاني : حذف مضاف يصحّ به معنى الكلام ، تقديره : على اتّباع الذي هداكم أو ما أشبهه».
وختمت هذه الآية بترجّي الشكر لأنّ قبلها تيسيرا وترخيصا ، فناسب ختمها بذلك. وختمت الآيتان قبلها بترجّي التقوى ، وهو قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٢) وقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(٣) لأنّ القصاص والصوم من أشقّ التكاليف ، فناسب ختمها بذلك ، وهذا أسلوب مطّرد ، حيث ورد ترخيص عقّب بترجي الشكر غالبا ، وحيث جاء عدم ترخيص عقّب بترجي التقوى وشبهها ، وهذا من محاسن علم البيان.
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(١٨٦)
قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ) : في (أُجِيبُ) وجهان :
أحدهما : أنها جملة في محلّ رفع صفة ل (قَرِيبٌ).
والثاني : أنها خبر ثان لإنّي ، لأنّ «قريب» خبر أول.
ولا بدّ من إضمار قول بعد فاء الجزاء تقديره : فقل لهم إني قريب ، وإنما احتجنا إلى هذا التقدير لأنّ المترتّب على الشرط الإخبار بالقرب. وجاء قوله «أجيب» مراعاة للضمير السابق على الخبر ، ولم يراع الخبر فيقال : «يجيب» بالغيبة مراعاة لقوله : «قريب» لأنّ الأشهر من طريقتي العرب هو الأول ، كقوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٤) وفي أخرى (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ، وقول الشاعر :
٨٥٧ ـ وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة |
|
إذا ما رأته عامر وسلول (٥) |
ولو راعى الخبر لقال : «ما يرون القتل».
وفي قوله : «عنّي» و «إنّي» التفات من غيبة إلى تكلّم ، لأنّ قبله : «ولتكبّروا الله» والاسم الظاهر في ذلك كالضمير الغائب. والكاف في «سألك» للنبي صلىاللهعليهوسلم وإن لم يجر له ذكر ، إلّا أنّ قوله : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يدلّ عليه ، لأنّ تقديره : «أنزل فيه القرآن على الرسول صلىاللهعليهوسلم». وفي قوله : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) مجاز عن سرعة إجابته لدعوة داعيه ، وإلّا فهو متعال عن القرب الحسي لتعاليه عن المكان ، ونظيره : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٦) ، «هو بينكم وبين أعناق رواحلكم» (٧).
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٢ / ٤٤).
(٢) سورة البقرة ، آية (١٧٩).
(٣) سورة البقرة ، آية (١٧٨).
(٤) سورة النمل ، آية (٥٥).
(٥) تقدم.
(٦) سورة ق ، آية (١٦).
(٧) أخرجه الترمذي بنحوه (٥ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦) ، كتاب الدعوات (٣٤٦١).