التشبيه وقع في مطلق الدعاء لا في خصوصيات المدعوّ ، فتشبيه الكافر في دعائه الصنم بالناعق بالبهيمة لا في خصوصيات المنعوق به».
وقيل في هذا القول : ـ أعني قول من قال التقدير : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم ـ إن الناعق هنا ليس المراد به الناعق بالبهائم ، وإنما المراد به الصائح في جوف الجبل فيجيبه الصّدى ، فالمعنى : بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء نفسه ونداءها ، فعلى هذا القول يكون فاعل «يسمع» ضميرا عائدا على الذي ينعق ، ويكون العائد على «ما» الرابط للصلة بالموصول محذوفا لفهم المعنى ، تقديره : بما لا يسمع منه ، وليس فيه شرط جواز الحذف فإنّه جرّ بحرف غير ما جرّ به الموصول ، وأيضا فقد اختلف متعلّقاهما ، إلا أنه قد ورد ذلك في كلامهم. وأمّا على القولين الأوّلين فيكون فاعل «يسمع» ضميرا يعود على «ما» الموصولة ، وهو المنعوق به. وقيل : المراد بالذين كفروا المتبوعون لا التابعون ، والمعنى : مثل الذين كفروا في دعائهم أتباعهم ، وكون أتباعهم لا يحصل لهم منهم إلا الخيبة ؛ كمثل الناعق بالغنم. فعلى هذه الأقوال كلّها يكون «مثل» مبتدأ و «كمثل» خبره ، وليس في الكلام حذف إلا جهة التشبيه.
وعلى القول الثاني من الأقوال الأربعة المتقدمة فقيل : معناه : ومثل الذين كفروا في دعائهم إلى الله تعالى وعدم سماعهم إياه كمثل بهائم الذي ينعق ، فهو على حذف قيد في الأول وحذف مضاف في الثاني. وقيل التقدير : ومثل الذين كفروا في عدم فهمهم عن الله ورسوله كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي غير الصوت ، فيراد بالذي ينعق الذي ينعق به ويكون هذا من القلب ، وقال قائل هذا : كما تقولون : «دخل الخاتم في يدي والخفّ في رجلي». وإلى هذا التفسير ذهب الفراء وأبو عبيدة وجماعة ، إلا أن القلب لا يقع على الصحيح إلا في ضرورة أو ندور.
وأمّا على القول الثالث فتقديره : ومثل داعي الذين كفروا كمثل الناعق بغنمه ، في كون الكافر لا يفهم ممّا يخاطب به داعيه إلا دويّ الصوت دون إلقاء فكر وذهن ، كما أنّ البهيمة كذلك ، فالكلام على حذف مضاف من الأول. قال الزمخشري : «ويجوز أن يراد ب «ما لا يسمع» الأصمّ الأصلج الذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه إلا النداء والصوت لا غير من غير فهم للحروف» وهذا منه جنوح إلى جواز إطلاق «ما» على العقلاء ، أو لمّا تنزّل هذا منزلة من لا يسمع من البهائم أوقع عليه «ما».
وأمّا على القول الرابع ـ وهو اختيار سيبويه في هذه الآية ـ وتقديره عنده : «مثلك يا محمّد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به» واختلف الناس في فهم كلام سيبويه ، فقائل : هو تفسير معنى ، وقيل : تفسير إعراب ، فيكون في الكلام حذفان : حذف من الأول وهو حذف «داعيهم» وقد أثبت نظيره في الثاني ، وحذف من الثاني وهو حذف المنعوق ، وقد أثبت نظيره في الأول ، فشبّه داعي الكفار براعي الغنم في مخاطبته من لا يفهم عنه ، وشبّه الكفار بالغنم في كونهم لا يسمعون ممّا دعوا إليه إلّا أصواتا لا يعرفون ما وراءها. وفي هذا الوجه حذف كثير ، إذ فيه حذف معطوفين إذ التقدير الصناعي : ومثل الذين كفروا وداعيهم كمثل الذي ينعق بالمنعوق به. وقد ذهب إليه جماعة منهم