قبلها ، لكنها جاءت لاستقصاء الأحوال التي يقع فيها الفعل ، ولتدلّ على أن المراد بذلك وجود الفعل في كل حال ، حتى في هذه الحال التي لا تناسب الفعل ، ولذلك لا يجوز : «اضرب زيدا ولو أساء إليك» ولا : «أعطوا السائل ولو كان محتاجا» ، فإذا تقرّر هذا فالواو في «ولو» في الأمثلة التي ذكرناها عاطفة على حال مقدرة ، والمعطوف على الحال حال ، فصحّ أن يقال إنها للحال من حيث عطفها جملة حالية على حال مقدرة ، وصحّ أن يقال إنها للعطف من حيث ذلك العطف ، والمعنى ـ والله أعلم ـ أنها إنكار اتّباع آبائهم في كلّ حال حتى في الحالة التي لا تناسب أن يتّبعوهم فيها وهي تلبّسهم بعدم العقل والهداية ، ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على «لو» إذا كانت تنبيها على أنّ ما بعدها لم يكن مناسبا ما قبلها ، وإن كانت الجملة الحالية فيها ضمير عائد على ذي الحال ، لأنّ مجيئها عارية من هذه الواو مؤذن بتقييد الجملة السابقة بهذه الحال. فهو ينافي استغراق الأحوال ، حتى هذه الحال ، فهما معنيان مختلفان ، ولذلك ظهر الفرق بين : «أكرم زيدا لو جفاك» وبين «أكرم زيدا ولو جفاك» انتهى. وهو كلام حسن وجواب «لو» محذوف تقديره : لاتّبعوهم ، وقدّره أبو البقاء : «أفكانوا يتّبعونهم» وهو تفسير معنى ، لأن «لو» لا تجاب بهمزة الاستفهام.
قوله : (شَيْئاً) فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به ، فيعمّ جميع المعقولات لأنها نكرة في سياق النفي ، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة فيكون المعنى : لا يعقلون شيئا بل أشياء.
والثاني : أن ينتصب على المصدرية ، أي : لا يعقلون شيئا من العقل. وقدّم نفي العقل على نفي الهداية ؛ لأنه تصدر عنه جميع التصرفات.
قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : اختلف الناس في هذه الآية اختلافا كثيرا واضطربوا اضطرابا شديدا ، وأنا بعون الله قد لخّصت أقوالهم مهذبة ، ولا سبيل إلى معرفة الإعراب إلّا بعد معرفة المعنى المذكور في هذه الآية.
وقد اختلفوا في ذلك : فمنهم من قال : معناها أنّ المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق. ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به. ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه داعي الكافر بالناعق ، ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به. فهذه أربعة أقوال.
فعلى القول الأول : يكون التقدير : «ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم كمثل الرعاة يكلّمون البهم ، والبهم لا تعقل شيئا». وقيل : يكون التقدير : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم كمثل الناعق بغنمه لا ينتفع من نعيقه بشيء ، غير أنّه في عناء ، وكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة إلا العناء.
قال الزمخشري ـ وقد ذكر هذا القول ـ : «إلّا أنّ قوله : «إلا دعاء ونداء» لا يساعد عليه لأنّ الأصنام لا تسمع شيئا».
قال الشيخ (١) : «ولحظ الزمخشري في هذا القول تمام التشبيه من كلّ جهة ، فكما أن المنعوق به لا يسمع إلا دعاء ونداء فكذلك مدعوّ الكافر من الصنم ، والصنم لا يسمع ، فضعف عنده هذا القول» قال : «ونحن نقول :
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٤٨١).