الثالث : أنه يعود على اليهود لأنّهم أشدّ الناس اتّباعا لأسلافهم.
الرابع : أنه يعود على الناس في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ)(١) ، قاله الطبري ، وهو ظاهر ، إلّا أنّ ذلك يكون من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحكمته أنهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجّب من فعله ، حيث دعي إلى شريعة الله والنور والهدى فأجاب باتّباع شريعة أبيه.
قوله : (بَلْ نَتَّبِعُ) بل هنا عاطفة هذه الجملة على جملة محذوفة قبلها تقديره : لا نتّبع ما أنزل الله بل نتّبع كذا ، ولا يجوز أن تكون معطوفة على قوله : «اتّبعوا» لفساده. وقال أبو البقاء : «بل» هنا للإضراب عن الأول ، أي : لا نتّبع ما أنزل الله ، وليس بخروج من قصة إلى قصة يعني بذلك أنه إضراب إبطال لا إضراب انتقال ، وعلى هذا فيقال : كلّ إضراب في القرآن فالمراد به الانتقال من قصة إلى قصة إلّا في هذه الآية ، وإلّا في قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُ)(٢) فإنه محتمل للأمرين فإن اعتبرت قوله : «أم يقولون افتراه» كان إضراب انتقال ، وإن اعتبرت «افتراه» وحده كان إضراب إبطال.
قوله : (أَلْفَيْنا) في «ألفى» هنا قولان :
أحدهما : أنها متعدّية إلى مفعول واحد ، لأنها بمعنى «وجد» التي بمعنى أصاب ، فعلى هذا يكون «عليه» متعلّقا بقوله : «ألفينا».
والثاني : أنها متعدّية إلى اثنين ، أولهما «آباءنا» والثاني : «عليه» ؛ فقدّم على الأول. وقال أبو البقاء : «هي محتملة للأمرين ، أعني كونها متعدية لواحد أو لاثنين» قال أبو البقاء : «ولام ألفينا واو لأنّ الأصل فيما جهل من اللامات أن يكون واوا» يعني فإنّه أوسع وأكثر فالردّ إليه أولى.
قوله : (أَوَلَوْ) الهمزة للإنكار ، وأمّا الواو ففيها قولان :
أحدهما : ـ وإليه ذهب الزمخشري ـ أنها واو الحال.
والثاني : ـ وإليه ذهب أبو البقاء وابن عطية ـ أنها للعطف. وقد تقدّم الخلاف في هذه الهمزة الواقعة قبل الواو والفاء وثمّ : هل بعدها جملة مقدرة؟ وهو رأي الزمخشري ، ولذلك قدّره هنا : أيتّبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب ، أو النية بها التأخير عن حرف العطف؟ وقد جمع الشيخ (٣) بين قول الزمخشري وقول ابن عطية فقال : «والجمع بينهما أنّ هذه الجملة المصحوبة ب «لو» في مثل هذا السياق جملة شرطية ، فإذا قال : «اضرب زيدا ولو أحسن إليك» فالمعنى : وإن أحسن إليك ، وكذلك «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» (٤) «ردّوا السائل ولو بشقّ تمرة» (٥) المعنى فيهما : «وإن» ، وتجيء «لو» هنا تنبيها على أنّ ما بعدها لم يكن يناسب ما
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (١٦٨).
(٢) سورة السجدة ، آية (٣).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٤٨١).
(٤) أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٩٩٦) ، عن زيد بن أسلم مرسلا. وابن عدي في الكامل (٥ / ١٦٨٧) ، وروى من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «للسائل حق وإن جاء على فرس» أخرجه أحمد في المسند (١ / ٢٠١) ، وأبو داود (١٦٦٥) ، والطبراني في الكبير (٢٨٩٣).
(٥) أخرجه أحمد في المسند (١ / ٣٨٨) ، بنحوه.