وأمّا قراءة عليّ ففيها تأويلان :
أحدهما : ـ وبه قال الأخفش ـ أنّ الهمزة أصل وأنه من الخطأ ، و «خطؤات» جمع «خطأة» إن سمع ، وإلّا فتقديرا ، وتفسير مجاهد إياه بالخطايا يؤيّد هذا ، ولكن يحتمل أن يكون مجاهد فسّره بالمرادف.
والثاني : أنه قلب الهمزة عن الواو لأنّها جاورت الضمة قبلها فكأنّها عليها ، لأنّ حركة الحرف بين يديه على الصحيح لا عليه.
قوله : (إِنَّهُ لَكُمْ) قال أبو البقاء : «إنما كسر الهمزة لأنه أراد الإعلام بحاله ، وهو أبلغ من الفتح ، لأنه إذا فتح الهمزة صار التقدير : لا تتّبعوه لأنه عدوّ لكم ، واتّباعه ممنوع وإن لم يكن عدوا لنا ، ومثله :
٨١٤ ـ لبّيك إنّ الحمد لك |
|
............... (١) |
كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كلّ حال وكذلك التلبية» انتهى. يعني أن الكسر استئناف فهو بعض إخبار بذلك ، وهذا الذي قاله في وجه الكسر لا يتعيّن ، لأنه يجوز أن يراد التعليل مع كسر الهمزة فإنهم نصّوا على أنّ «إنّ» المكسورة تفيد العلة أيضا ، وقد ذكر ذلك في هذه الآية بعينها فينبغي أن يقال : قراءة الكسر أولى لأنها محتملة للإخبار المحض بحاله وللعلّيّة ، وأمّا المفتوحة فهي نصّ في العلّيّة ، لأنّ الكلام على تقدير لام العلة.
قوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا) : عطف على قوله (بِالسُّوءِ) تقديره : «وبأن تقولوا» فيحتمل موضعها الجر والنصب بحسب قولي الخليل وسيبويه. و (الْفَحْشاءِ) مصدر من الفحش ، كالبأساء من البأس. والفحش قبح المنظر ، قال امرؤ القيس :
٨١٥ ـ وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش |
|
إذا هي نصّته ولا بمعطّل (٢) |
وتوسّع فيه حتى صار يعبّر به عن كلّ مستقبح معنى كان أو عينا.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(١٧١)
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) : الضمير في «لهم» فيه أربعة أقوال :
أحدها : أنه يعود على «من» في قوله : (مَنْ يَتَّخِذُ)(٣) وهذا بعيد.
الثاني : أنه يعود على العرب الكفّار لأنّ هذا حالهم.
__________________
(١) البيت لأبي نواس في ديوانه.
(٢) البيت من معلقته المشهورة انظر ديوانه (١١٥) ، شرح المعلقات للتبريزي (٤٤) ، والزوزني (٢١) ، الشنقيطي (٦٣) ، البحر المحيط (١ / ٤٧٧).
(٣) سورة البقرة ، آية (١٦٥).