هذا الوجه الرابع ألّا يكون المفعول محذوفا بل تكون «من» مزيدة على مذهب الأخفش تقديره : كلوا ما في الأرض أكلا حلالا.
الخامس : أنّ يكون حالا من الضمير العائد على «ما» قاله ابن عطية ، يعني بالضمير الضمير المستكنّ في الجارّ والمجرور الواقع صلة.
و (طَيِّباً) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون صفة ل «حلالا» ، أمّا على القول بأنّ «من» للابتداء متعلّقة ب «كلوا» فهو واضح ، وأمّا على القول بأنّ «مما في الأرض» حال من «حلالا» ، فقال أبو البقاء : «ولكنّ موضعها بعد الجارّ والمجرور ، لئلا يفصل بالصفة بين الحال وذي الحال» وهذا الذي قاله ليس بشيء فإنّ الفصل بالصفة بين الحال وصاحبها ليس بممنوع ، تقول : «جاءني زيد الطويل راكبا» بل لو قدّمت الحال على الصفة فقلت : «جاءني زيد راكبا الطويل» كان في جوازه نظر.
الثاني : أن يكون صفة لمصدر محذوف أو حالا من المصدر المعرفة المحذوف أي : أكلا طيبا.
الثالث : أن يكون حالا من الضمير في «كلوا» تقديره : مستطيبين ، قاله ابن عطية.
قال الشيخ (١) : «وهذا فاسد في اللفظ والمعنى ، أمّا اللفظ فلأنّ «الطيّب» اسم فاعل فكان ينبغي أن تجمع لتطابق صاحبها فيقال : طيبين ، وليس «طيب» مصدرا فيقال : إنما لم يجمع لذلك. وأما المعنى فإنّ «طيبا» مغاير لمعنى «مستطيبين» لأنّ الطّيب من صفات المأكول والمستطيب من صفات الآكلين ، تقول : طاب لزيد الطعام ، ولا تقول : «طاب زيد الطعام» بمعنى استطابه».
والحلال : المأذون فيه ، ضدّ الحرام الممنوع منه. يقال : حلّ يحلّ بكسر العين في المضارع ، وهو القياس لأنه مضاعف غير متعدّ ، ويقال : حلال وحلّ ، كحرام وحرم وهو في الأصل مصدر ، ويقال : «حل بلّ» على سبيل الإتباع كحسن بسن. وحلّ بمكان كذا يحلّ بضمّ العين وكسرها ، وقرئ : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(٢) بالوجهين.
قوله : (خُطُواتِ) قرأ ابن عامر والكسائي وقنبل وحفص : خطوات بضم الخاء والطاء ، وباقي السبعة بسكون الطاء ، وقرأ أبو السّمّال «خطوات» بفتحها ، ونقل ابن عطية وغيره عنه أنه قرأ «خطوات» بفتح الخاء والطاء ، وقرأ عليّ وقتادة والأعمش بضمّها والهمز.
فأمّا قراءة الجمهور والأولى من قراءتي أبي السّمّال فلأنّ «فعلة» الساكنة العين السالمتها إذا كانت اسما جاز في جمعها بالألف والتاء ثلاثة أوجه ـ وهي لغات مسموعة عن العرب ـ : السكون وهو الأصل ، والإتباع ، والفتح في العين تخفيفا. وأمّا قراءة أبي السّمّال التي نقلها ابن عطية فهي جمع خطوة بفتح الخاء ، والفرق بين الخطوة بالضم والفتح : أنّ المفتوح مصدر ، دالة على المرّة من خطا يخطو إذا مشى ، والمضموم اسم لما بين القدمين كأنه اسم للمسافة ، كالغرفة اسم للشيء المغترف ، وقيل : إنهما لغتان بمعنى واحد ذكره أبو البقاء.
__________________
(١) البحر المحيط (١ / ٤٧٨).
(٢) سورة طه ، آية (٨١).