أحدهما : أن تكون بصرية ، فتتعدّى لاثنين بنقل الهمزة ، أولهما الضمير والثاني «أعمالهم» و «حسرات» على هذا حال من «أعمالهم». والثاني : أن تكون قلبية ، فتتعدّى لثلاثة ثالثها «حسرات» و «عليهم» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق ب «حسرات» لأنّ «يحسر» يعدّى بعلى ، ويكون ثمّ مضاف محذوف أي : على تفريطهم.
والثاني : أن تتعلّق بمحذوف لأنّها صفة لحسرات ، فهي في محل نصب لكونها صفة لمنصوب.
والكرّة : العودة ، وفعلها كرّ يكرّ كرّا ، قال :
٨١٣ ـ أكرّ على الكتيبة لا أبالي |
|
أفيها كان حتفي أم سواها (١) |
والحسرة : شدّة النّدم ، وهو تألم القلب بانحساره عما يؤمّله ، واشتقاقها : إمّا من قولهم : بعير حسير ، أي : منقطع القوة أو من الحسر وهو الكشف.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١٦٩)
قوله تعالى : (مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) : «حلالا» فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا ب «كلوا» ، و «من» على هذا فيها وجهان :
أحدهما : أن تتعلّق بكلوا ، ويكون معناها ابتداء الغاية.
والثاني : أن تتعلّق بمحذوف على أنّها حال من «حلالا» وكانت في الأصل صفة له فلمّا قدّمت عليه انتصبت حالا ، ويكون معنى «من» التبعيض.
الثاني : أن يكون انتصاب «حلالا» على أنه نعت لمفعول محذوف ، تقديره : شيئا أو رزقا حلالا ذكره مكي ، واستبعده ابن عطية ، ولم يبيّن وجه بعده ، والذي يظهر في بعده أنّ «حلالا» ليس صفة خاصة بالمأكول ، بل يوصف به المأكول وغيره ، وإذا لم تكن الصفة خاصة لا يجوز حذف الموصوف.
الثالث : أن ينتصب «حلالا» على أنه حال من «ما» بمعنى الذي ، أي : كلوا من الذي في الأرض حال كونه حلالا.
الرابع : أن ينتصب على أنّه نعت لمصدر محذوف ، أي : أكلا حلالا ، ويكون مفعول «كلوا» محذوفا ، و «ما في الأرض» صفة لذلك المفعول المحذوف ، ذكره أبو البقاء ، وفيه من الردّ ما تقدّم على مكي ، ويجوز على
__________________
(١) البيت للعباس بن مرداس في ديوانه ، وانظر الإنصاف (١٨٥ ، ٢٧٣) ، الحماسة الشجرية (١ / ١٣٣).