أحدها : أنّها للحال أي : تقطّعت موصولة بهم الأسباب نحو : «خرج بثيابه».
الثاني : أن تكون للتعدية ، أي : قطّعتهم الأسباب كما تقول : تفرّقت بهم الطرق «أي : فرّقتهم».
الثالث : أن تكون للسببية ، أي : تقطّعت بسبب كفرهم الأسباب التي كانوا يرجون بها النجاة.
الرابع : أن تكون بمعنى «عن» ، أي : تقطّعت عنهم.
والأسباب : الوصلات بينهم ، وهي مجاز ، فإن السبب في الأصل الحبل ثم أطلق على كلّ ما يتوصّل به إلى شيء : عينا كان أو معنى ، وقد تطلق الأسباب على الحوادث ، قال زهير :
٨٠٨ ـ ومن هاب أسباب المنايا ينلنه |
|
ولو نال أسباب السّماء بسلّم (١) |
وقد وجد هنا نوع من أنواع البديع هو الترصيع ، وهو عبارة عن تسجيع الكلام ، وهو هنا في موضعين ، أحدهما (اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) ولذلك حذف عائد الموصول الأول فلم يقل : من الذين اتّبعوهم لفوات ذلك والثاني : (وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) وهو كثير في القرآن (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)(٢).
قوله تعالى : (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) : منصوب بعد الفاء بأن مضمرة في جواب التمني الذي أشربته «لو» ، ولذلك أجيبت بجواب «ليت» الذي في قوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ)(٣) ، وإذا أشربت معنى التمني فهل هي الامتناعية المفتقرة إلى جواب أم لا تحتاج إلى جواب؟ الصحيح أنها تحتاج إلى جواب ، وهو مقدّر في الآية تقديره : لتبرّأنا ونحو ذلك. وقيل : «لو» في هذه الآية ونظائرها لما كان سيقع لوقوع غيره ، وليس فيها معنى التمني ، والفعل منصوب ب «أن» مضمرة على تأويل عطف اسم على اسم وهو «كرّة» والتقدير : لو أنّ لنا كرة فتبرّؤا فهو من باب قوله :
٨٠٩ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
............... (٤) |
ويكون جواب لو محذوفا أيضا كما تقدّم. وقال أبو البقاء : «فنتبرأ» منصوب بإضمار أن تقديره ؛ لو أنّ لنا أن نرجع فنتبرأ» فحلّ «كرة» إلى قوله «أن نرجع» لأنه بمعناه وهو قريب ، إلّا أنّ النّحويين يؤوّلون الفعل المنصوب بمصدر ليعطفوه على الاسم قبله ، ويتركون الاسم على حاله ، وذلك لأنه قد يكون اسما صريحا غير مصدر نحو : «لو لا زيد ويخرج لأكرمتك» فلا يتأتّى تأويله بحرف مصدري وفعل. والقائل بأنّ «لو» التي للتمني لا جواب لها استدلّ بقول الشاعر :
٨١٠ ـ فلو نبش المقابر عن كليب |
|
فتخبر بالذّنائب أيّ زور (٥) |
وهذا لا يصحّ فإنّ جوابها في البيت بعده وهو قوله :
__________________
(١) البيت في ديوانه (١١١) ، هاب : خاف. الأسباب : جمع سبب ما يتسبب عنه الموت كالحروب وغيرها. يرقى : يرتفع.
(٢) سورة البقرة ، آية (٢٦٧).
(٣) سورة النساء ، آية (٧٣).
(٤) تقدم.
(٥) البيت لمهلهل انظر الأصمعيات (١٥٤) ، الأشموني (٤ / ٣٢) ، شواهد البحر (١ / ٣٧٤).